الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٣٥
يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه. فأما من أوتى كتابه بيمينه.
فسوف يحاسب حسابا يسيرا. وينقلب إلى أهله مسرورا. وأما من أوتى كتابه وراء ظهره. فسوف يدعوا ثبورا ويصلى سعيرا. إنه كان في أهله مسرورا. إنه ظن أن لن يحور. بلى إن ربه كان به بصيرا. فلا أقسم بالشفق. والليل وما وسق.
____________________
يؤثر فيها من كدح جلده إذا خدشه، ومعنى (كادح إلى ربك) جاهد إلى لقاء ربك وهو الموت وما بعده من الحال الممثلة باللقاء (فملاقيه) فملاق له لا محالة لا مفر لك منه، وقيل الضمير في ملاقيه للكدح (يسيرا) سهلا هينا لا يناقش فيه ولا يعترض بما يسوءه ويشق عليه كما يناقش أصحاب الشمال. وعن عائشة رضي الله عنها " هو أن يعرف ذنوبه ثم يتجاوز عنه " وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قالا " من يحاسب يعذب، فقيل يا رسول الله فسوف يحاسب حسابا يسيرا؟ قال: ذلكم العرض من نوقش في الحساب عذب " (إلى أهله) إلى عشيرته إن كانوا مؤمنين، أو إلى فريق المؤمنين أو إلى أهله في الجنة من الحور العين (وراء ظهره) قيل تغل يمناه إلى عنقه وتجعل شماله وراء ظهره فيؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره، وقيل تخلع يده اليسرى من وراء ظهره (يدعو ثبورا) يقول يا ثبوراه والثبور الهلاك.
وقرئ ويصلى سعيرا كقوله - وتصلية جحيم - ويصلى بضم الياء والتخفيف كقوله - ونصله جهنم - (في أهله) فيما بين ظهرانيهم أو معهم على أنهم كانوا جميعا مسرورين. يعنى أنه كان في الدنيا مترفا بطرا مستبشرا كعادة الفجار الذين لا يهمهم أمر الآخرة ولا يفكرون في العواقب، ولم يكن كئيبا جزينا متفكرا كعادة الصلحاء والمتقين وحكاية الله عنهم - إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين - (ظن أن لن يحور) لن يرجع إلى الله تعالى تكذيبا بالمعاد، يقال: لا يحور ولا يحول: أي لا يرجع ولا يتغير، قال لبيد * يحور رمادا بعد إذ هو ساطع * وعن ابن عباس: ما كنت أدرى ما معنى يحور حتى سمعت أعرابية تقول لبنية لها: حوري: أي ارجعي (بلى) إيجاب لما بعد النفي في لن يحور: أي بلى ليحورن (إن ربه كان به بصيرا) وبأعماله لا ينساها ولا تخفى عليه فلابد أن يرجعه ويجازيه عليها.
وقيل نزلت الآيتان في أبى سلمة بن عبد الأشد وأخيه الأسود بن عبد الأشد. الشفق: الحمرة التي ترى في المغرب بعد سقوط الشمس، وبسقوطه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العتمة عند عامة العلماء، إلا ما يروى عن أبي حنيفة رضي الله عنه في إحدى الروايتين أنه البياض. وروى أسد بن عمرو أنه رجع عنه، سمى لرقته، ومنه الشفقة على الانسان رقة القلب عليه (وما وسق) وما جمع وضم يقال وسقه فاتسق واستوسق، قال:
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»