الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٣١
يخسرون. ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون. ليوم عظيم. يوم يقوم الناس لرب العالمين. كلا إن كتاب الفجار لفى سجين. وما أدراك ما سجين. كتاب مرقوم.
ويل يومئذ للمكذبين. الذين يكذبون بيوم الدين. وما يكذب به إلا كل معتد
____________________
تكتب بعد واو الجمع غير ثابتة فيه ركيك، لان خط المصحف لم يراع في كثير منه حد المصطلح عليه في علم الخط، على أنى رأيت في الكتب المخطوطة بأيدي الأئمة المتقنين هذه الألف مرفوضة لكونها غير ثابتة في اللفظ والمعنى جميعا، لان الواو وحدها معطية معنى الجمع، وإنما كتبت هذه الألف تفرقة بين واو الجمع وغيرها في نحو قولك هم لم يدعوا وهو يدعو، فمن لم يثبتها قال: المعنى كاف في التفرقة بينهما. وعن عيسى بن عمر وحمزة أنهما كانا يرتكبان ذلك: أي يجعلان الضميرين للمطففين ويقفان عند الواوين وقيفة يبينان بها ما أرادوا. فإن قلت: هلا قيل أو اتزنوا كما قيل أو وزنوهم؟ قلت: كأن المطففين كانوا لا يأخذون ما يكال ويوزن إلا بالمكاييل دون الموازين لتمكنهم بالإكتيال من الاستيفاء والسرقة لانهم يدعدعون ويحتالون في المل ء، وإذا أعطوا كالوا أو وزنوا لتمكنهم من البخس في النوعين جميعا (يخسرون) ينقصون يقال خسر الميزان وأخسره (ألا يظن) إنكار وتعجيب عظيم من حالهم في الاجتراء على التطفيف كأنهم لا يخطرون ببالهم ولا يخمنون تخمينا (أنهم مبعوثون) ومحاسبون على مقدار الذرة والخردلة. وعن قتادة: أوف يا ابن آدم كما تحب أن يوفى لك، واعدل كما تحب أن يعدل لك.
وعن الفضيل: بخس الميزان سواد الوجه يوم القيامة. وعن عبد الملك بن مروان أن أعرابيا قال له: قد سمعت ما قال الله في المطففين، أراد بذلك أن المطفف قد توجه عليه الوعيد العظيم الذي سمعت به، فما ظنك بنفسك وأنت تأخذ أموال المسلمين بلا كيل ولا وزن؟ وفى هذا الانكار والتعجيب وكلمة الظن ووصف اليوم بالعظم وقيام الناس فيه لله خاضعين ووصفه ذاته برب العالمين بيان بليغ لعظم الذنب وتفاقم الاثم في التطفيف وفيما كان في مثل حاله من الحيف وترك القيام بالقسط والعمل على السوية والعدل في كل أخذ وإعطاء بل في كل قول وعمل. وقيل الظن بمعنى اليقين والوجه ما ذكر. ونصب (يوم يقوم) بمبعوثون، وقرئ بالجر بدلا من يوم عظيم. وعن ابن عمر أنه قرأ هذه السورة فلما بلغ قوله - يوم يقوم الناس لرب العالمين - بكى نحيبا وامتنع من قراءة ما بعده (كلا) ردعهم عما كانوا عليه من التطفيف والغفلة عن ذكر البعث والحساب ونبههم على أنه مما يجب أن يتاب عنه ويندم عليه، ثم أتبعه وعيد الفجار على العموم. وكتاب الفجار ما يكتب من أعمالهم. فإن قلت: قد أخبر الله عن كتاب الفجار بأنه في سجين وفسر سجينا بكتاب مرقوم فكأنه قيل: إن كتابهم في كتاب مرقوم فما معناه؟ قلت: سجين كتاب جامع هو ديوان الشر دون الله فيه أعمال الشياطين وأعمال الكفرة والفسقة من الجن والإنس وهو كتاب مرقوم مسطور بين الكتابة أو معلم يعلم من رآه أنه لا خير فيه، فالمعنى: أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان، وسمى سجينا فعيلا من السجن وهو الحبس والتضييق لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم، أو لأنه مطروح كما روى تحت الأرض السابعة في مكان وحش مظلم وهو مسكن إبليس وذريته استهانة به وإزالة وليشهده الشياطين المدحورون كما يشهد ديوان الخير الملائكة المقربون. فإن قلت: فما سجين أصفة هو أم اسم؟
قلت: بل هو اسم علم منقول من وصف كحاتم وهو منصرف لأنه ليس فيه إلا سبب واحد وهو التعريف (الذين يكذبون)
(٢٣١)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)، الظنّ (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»