الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٩٨
وذللت قطوفها تذليلا. ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا.
قواريرا من فضة قدروها تقديرا. ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا. عينا فيها تسمى سلسبيلا.
____________________
لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا، والحال أن ظلالها دانية عليهم. ويجوز أن تجعل متكئين ولا يرون ودانية كلها صفات الجنة. ويجوز أن يكون ودانية معطوفة على جنة: أي وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها على أنهم وعدوا جنتين كقوله - ولمن خاف مقام ربه جنتان - لانهم وصفوا بالخوف - إنا نخاف من ربنا - فإن قلت: فعلام عطف (وذللت)؟ قلت: هي إذا رفعت ودانية جملة فعلية معطوفة على جملة ابتدائية، وإذا نصبتها على الحال فهي حال من دانية: أي تدنو ظلالها عليهم في حال تذليل قطوفها لهم، أو معطوفة عليها على ودانية عليهم ظلالها ومذللة قطوفها وإذا نصبت ودانية على الوصف فهي صفة مثلها، ألا ترى أنك لو قلت جنة ذللت قطوفها كان صحيحا، وتذليل القطوف أن تجعل ذللا لا تمتنع على قطافها كيف شاءوا، أو تجعل ذليلة لهم خاضعة متقاصرة من قولهم حائط ذليل إذا كان قصيرا (قوارير قوارير) قرئا غير منونين وبتنوين الأول وبتنوينهما وهذا التنوين بدل من ألف الاطلاق لأنه فاصلة، وفى الثاني لاتباعه الأول، ومعنى قوارير من (فضة) أنها مخلوقة من فضة وهى مع بياض الفضة وحسنها في صفاء القوارير وشفيفها. فإن قلت: ما معنى كان؟ قلت: هو من يكون في قوله - كن فيكون: أي تكونت قوارير بتكوين الله تفخيما لتلك الخلقة العجيبة الشأن الجامعة بين صفتي الجوهرين المتباينين ومنه كان في قوله - كان مزاجها كافورا - وقرئ قوارير من فضة بالرفع على هي قوارير (قدروها) صفة لقوارير من فضة، ومعنى تقديرهم لها أنهم قدروها في أنفسهم أن تكون على مقادير وأشكال على حسب شهواتهم فجاءت كما قدروا، وقيل الضمير للطائفين بها دل عليهم قوله - ويطاف عليهم - على أنهم قدروا شرابها على قدر الري وهو ألذ للشارب لكونه على مقدار حاجته لا يفضل عنها ولا يعجز. وعن مجاهد: لا تفيض ولا تغيض. وقرئ قدروها على البناء للمفعول ووجهه أن يكون من قدر منقولا من قدر تقول قدرت الشئ وقدرنيه فلان: إذا جعلك قادرا له، ومعناه: جعلوا قادرين لها كما شاءوا وأطلق لهم أن يقدروا على حسب ما اشتهوا. سميت العين زنجبيلا لطعم الزنجبيل والعرب تستلذه وتستطيبه، قال الأعشى:
كأن القرنفل والزنجبيل * باتا بفيها وأريا مشورا وقال المسيب بن علس:
وكأن طعم الزنجبيل به * إذ ذقته وسلافة الخمر و (سلسبيلا) لسلاسة انحدارها في الحلق وسهولة مساغها، يعنى أنها في طعم الزنجبيل وليس فيها لذعة، ولكن نقيض اللذع وهو السلاسة، يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل، وقد زيدت الباء في التريب حتى صارت الكلمة خماسية ودلت على غاية السلاسة. قال الزجاج: السلسبيل في اللغة صفة لما كان في غاية السلاسة.
وقرئ سلسبيل على منع الصرف لاجتماع العلمية والتأنيث. وقد عزوا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن معناه: سل سبيلا إليها، وهذا غير مستقيم على ظاهره، إلا أن يراد أن جملة قول القائل سل سبيلا جعلت علما
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»