الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٤٢
إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين. فلا تطع المكذبين ودوا لوتدهن فيدهنون ولا تطع كل حلاف مهين. هماز مشاء بنميم. مناع للخير معتد أثيم. عتل بعد ذلك زنيم.
____________________
سيعلمون غدا من الكذاب الأشر - (إن ربك هو أعلم) بالمجانين على الحقيقة وهم الذين ضلوا عن سبيله (وهو أعلم) بالعقلاء وهم المهتدون، أو يكون وعيدا ووعدا وأنه أعلم بجزاء الفريقين (فلا تطع المكذبين) تهييج وإلهاب للتصميم على معاصاتهم، وكانوا قد أرادوه على أن يعبد الله مدة وآلهتهم مدة ويكفوا عنه غوائلهم (لو تدهن) لو تلين وتصانع (فيدهنون). فإن قلت: لم رفع فيدهنون ولم ينصب بإضمار أن وهو جواب التمني؟
قلت: قد عدل به إلى طريق آخر وهو أن جعل خبر مبتدأ محذوف: أي فهم يدهنون كقوله تعالى - فمن يؤمن بربه فلا يخاف - على معنى: ودوا لو تدهن فهم يدهنون حينئذ، أو ودوا إدهانك فهم الآن يدهنون لطمعهم في إدهانك. قال سيبويه: وزعم هارون أنها في بعض المصاحف: ودوا لو تدهن فيدهنوا (حلاف) كثير الحلف في الحق والباطل وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف ومثله قوله تعالى - ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم - (مهين) من المهانة وهى القلة والحقارة يريد القلة في الرأي والتمييز، أو أراد الكذب لأنه حقير عند الناس (هماز) عياب طعان.
وعن الحسن: يلوى شدقيه في أقفية الناس (مشاء بنميم) مضرب نقال للحديث من قوم إلى قوم على وجه السعاية والإفساد بينهم والنميم والنميمة السعاية، وأنشدني بعض العرب:
تشببي تشبب النميمة * تمشى بها زهرا إلى تميمة (مناع للخير) بخيل والخير المال، أو مناع أهله الخير وهو الإسلام فذكر الممنوع منه دون الممنوع كأنه قال مناع من الخير. قيل هو الوليد بن المغيرة المخزومي كان موسرا وكان له عشرة من البنين، فكان يقول لهم وللحمته:
من أسلم منكم منعته رفدي عن ابن عباس. وعنه أنه أبو جهل، وعن مجاهد الأسود بن عبد يغوث، وعن السدى الأخنس بن شريق أصله في ثقيف وعداده في زهرة ولذلك قيل زنيم (معتد) مجاوز في الظلم حده (أثيم) كثير الآثام (عتل) غليظ جاف من عتله إذا قاده بعنف وغلظة (بعد ذلك) بعد ما عد له من المثالب والنقائص (زنيم) دعى، قال حسان:
وأنت زنيم نيط في آل هاشم * كما نيط خلف الراكب القدح الفرد وكان الوليد دعيا في قريش ليس من سنخهم، ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة من مولده. وقيل بغت أمه ولم يعرف حتى نزلت هذه الآية، جعل جفاءه ودعوته أشد معايبه، لأنه إذا جفا وغلظ طبعه قسا قلبه واجترأ على
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»