الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٥٠
سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية. فهل ترى لهم من باقية. وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة. فعصوا رسول الله ربهم فأخذهم أخذة رابية. إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية.
____________________
استعارة أو عتت على عاد فما قدروا على ردها بحلية من استتار ببناء أو لياذ بجبل أو اختفاء في حفرة فإنها كانت تنزعهم من مكامنهم وتهلكهم. وقيل عتت على خزانها فخرجت بلا كيل ولا وزن. وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أرسل الله سفية من ريح إلا بمكيال، ولا قطرة من مطر إلا بمكيال، إلا يوم عاد ويوم نوح، فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان فلم يكن لهم عليه سبيل، ثم قرأ - إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية - وإن الريح يوم عاد عتت على الخزان فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ - بريح صرصر عاتية - ولعلها عبارة عن الشدة والإفراط فيها. الحسوم لا يخلو من أن يكون جمع حاسم كشهود وقعود أو مصدرا كالشكور والكفور، فإن كان جمعا فمعنى قوله حسوما نحسات حسمت كل خير واستأصلت كل بركة، أو متتابعة هبوب الرياح ما خفتت ساعة حتى أتت عليهم تمثيلا لتتابعها بتتابع فعل الحاسم في إعادة الكي على الداء كرة بعد أخرى حتى ينحسم، وإن كان مصدرا فإما أن ينتصب بفعله مضمرا: أي تحسم حسوما بمعنى تستأصل استئصالا، أو يكون صفة كقولك ذات حسوم، أو يكون مفعولا له: أي سخرها عليهم للاستئصال. وقال عبد العزيز بن زرارة الكلابي:
ففرق بين بينهم زمان * تتابع فيه أعوام حسوم وقرأ السدى حسوما بالفتح حالا من الريح: أي سخرها عليهم مستأصلة. وقيل هي أيام العجوز وذلك أن عجوزا من عاد توارت في سرب فانتزعتها الريح في اليوم الثامن فأهلكتها. وقيل هي أيام العجز وهى آخر الشتاء، وأسماؤها الصن والصنبر والوبر والآمر والمؤتمر والمعلل ومطفئ الجمر، وقيل مكفئ (1) الظعن ومعنى (سخرها عليهم) سلطها عليهم كما شاء (فيها) في مهابها أو في الليالي والأيام. وقرئ أعجاز نخيل (من باقية) من بقية أو من نفس باقية أو من بقاء كالطاغية بمعنى الطغيان (ومن قبله) يريد ومن عنده من تباعه، وقرئ ومن قبله: أي ومن تقدمه وتعضد الأولى قراءة عبد الله وأبى ومن معه، وقراءة أبى موسى ومن تلقاءه (والمؤتفكات) قرى قوم لوط (بالخاطئة) بالخطأ أو بالفعلة أو الأفعال ذات الخطأ العظيم (رابية) شديدة زائدة في الشدة كما زادت قبائحهم في القبح يقال ربا الشئ يربو إذا زاد - ليربو في أموال الناس - (حملناكم) حملنا آباءكم (في الجارية) في سفينة لأنهم إذا كانوا من نسل المحمولين الناجين كان حمل آبائهم منة عليهم وكأنهم هم المحمولون لأن نجاتهم سبب ولادتهم

(1) الذي في أبى السعود، وقيل ومكفى بزيادة واو.
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»