____________________
مع دلالتها على قدرة الخالق فيها إظهار لنعمته على خلقه لان الاحتجاب بستر الليل كم فيه لكثير من الناس من فوائد دينية ودنيوية والنوم واليقظة وشبههما بالموت والحياة أي عبرة فيها لمن اعتبر، وعن لقمان أنه قال لابنه: يا بنى كما تنام فتوقظ كذلك تموت فتنشر. قرئ الريح والرياح نشرا إحياء ونشرا جمع نشور وهى المحيية، ونشرا تخفيف نشرا وبشرا تخفيف بشر جمع بشور وبشرى، و (بين يدي رحمته) استعارة مليحة: أي قدام المطر (طهورا) بليغا في طهارته. وعن أحمد بن يحيى: هو ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره، فإن كان ما قاله شرحا لبلاغته في الطهارة كان سديدا، ويعضده قوله تعالى - وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به - وإلا فليس فعول من التفعيل في شئ والطهور على وجهين: في العربية صفة واسم غير صفة، فالصفة قولك ماء طهور كقولك طاهر، والاسم قولك لما يتطهر به طهور كالوضوء، والوقود لما يتوضأ به النار، وقولهم تطهرت طهورا حسنا كقولك وضوءا حسنا، ذكره سيبويه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة إلا بطهور " أي طهارة. فإن قلت: ما الذي يزيل عن الماء اسم الطهور؟ قلت: تيقن مخالطة النجاسة أو غلبتها على الظن تغير أحد أو صافه الثلاثة أو لم يتغير، أو استعماله في البدن لأداء عبادة عند أبي حنيفة. وعند مالك بن أنس رضي الله عنهما: مالم يتغير أحد أو صافه فهو طهور. فإن قلت: فما تقول في قوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن بئر بضاعة فقال " الماء طهور لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه "؟ قلت: قال الواقدي: كان بئر بضاعة طريقا للماء إلى البساتين، وإنما قال (ميتا) لان البلدة في معنى البلد في قوله - فسقناه إلى بلد ميت - وأنه غير جار على الفعل كفعول ومفعال ومفعيل وقرئ نسقيه بالفتح وسقى وأسقى لغتان، وقيل أسقاه جعل له سقيا. الأناسي جمع إنسي أو إنسان ونحوه ظرابي في ظربان على قلب النون ياء والأصل أناسين وظرابين. وقرئ بالتخفيف بحذف ياء أفاعيل كقولك أناعم في أناعيم. فإن قلت: إنزال الماء موصوفا بالطهارة وتعليله بالاحياء والسقى يؤذن بأن الطهارة شرط في صحة ذلك كما تقول: حملني الأمير على فرس جواد لا صيد عليه الوحش. قلت:: لما كان سقى الأناسي من جملة ما أنزل له الماء وصفه بالطهور إكراما لهم وتتميما للمنة عليهم وبيانا أن من حقهم حين أراد الله لهم الطهارة وأرادهم عليها أن يؤثروها في بواطنهم ثم في ظواهرهم، وأن يربئوا بأنفسهم عن مخالطة القاذورات كلها كما ربأ بهم ربهم. فإن قلت: لم خص الانعام من بين ما خلق من الحيوان الشارب؟ قلت: لان الطير والوحش تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب بخلاف الانعام ولأنها قنية الأناسي وعامة منافعهم متعلقة بها، فكان الانعام عليهم بسقى أنعامهم كالانعام بسقيهم. فإن قلت: فما معنى تنكير الانعام والأناسي ووصفها بالكثرة؟ قلت: معنى ذلك أن عليه الناس وجلهم منيخون بالقرب من الأودية والأنهار ومنابع الماء فيهم غنية عن سقى السماء وأعقابهم، وهم كثير منهم لا يعيشهم إلا ما ينزل الله من رحمته وسقيا سمائه، وكذلك قوله - لنحيى به بلدة ميتا - يريد بعض بلاد هؤلاء المتبعدين من مظان الماء. فإن قلت: لم قدم إحياء الأرض وسقى الانعام على سقى الأناسي؟ قلت: لان حياة الأناسي بحياة أرضهم وحياة أنعامهم، فقدم ما هو سبب حياتهم وتعيشهم على سقيهم، ولأنهم إذا ظفروا بما يكون سقيا أرضهم