الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٩٨
ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا. وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا. تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا. وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا.
____________________
العرش ثمانية، والشهور اثنى عشر، والسماوات سبعا والأرض كذلك، والصلوات خمسا، وأعداد النصب والحدود والكفارات وغير ذلك، والإقرار بدواعي الحكمة في جميع أفعاله، وبأن ما قدره حق وصواب هو الإيمان، وقد نص عليه في قوله - وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا - ثم قال وما يعلم جنود ربك إلا هو - وهو الجواب أيضا في أن لم يخلقها في لحظة وهو قادر على ذلك.
وعن سعيد بن جبير رضي الله عنهما: إنما خلقها في ستة أيام وهو يقدر على أن يخلقها في لحظة تعليما لخلقه الرفق والتثبت.
وقيل اجتمع خلقها يوم الجمعة فجعله الله عيدا للمسلمين. الذي خلق مبتدأ، (والرحمن) خبره أو صفة للحي، والرحمن خبر مبتدأ محذوف أو بدل عن المستتر في استوى. وقرئ الرحمن بالجر صفة للحي وقرئ فسل والباء في به صلة سل كقوله تعالى - سأل سائل بعذاب واقع - كما تكون عن صلته في نحو قوله - ثم لتسألن يومئذ عن النعيم - فسأل به كقوله به واعتنى به واشتغل به، وسأل عنه كقولك بحث عنه وفتش عنه ونقر عنه، أو صلة خبيرا وتجعل خبير مفعول سل، يريد فسل عنه رجلا عارفا يخبرك برحمته، أو فسل رجلا خبيرا به وبرحمته، أو فسل بسؤاله خبيرا كقولك: رأيت به أسدا: أي برؤيته، والمعنى: إن سألته وجدته خبيرا، أو تجعله حالا عن الهاء تريد فسل عنه عالما بكل شئ. وقيل الرحمن اسم من أسماء الله مذكور في الكتب المتقدمة ولم يكونوا يعرفونه، فقيل فسل بهذا الاسم من يخبرك من أهل الكتاب حتى يعرف من ينكره، ومن ثمة كانوا يقولون ما نعرف الرحمن إلا الذي باليمامة: يعنون مسيلمة، وكان يقال له رحمن اليمامة (وما الرحمن) يجوز أن يكون سؤالا عن المسمى به لأنهم ما كانوا يعرفونه بهذا الاسم والسؤال عن المجهول بما، ويجوز أن يكون سؤالا عن معناه لأنه لم يكن مستعملا في كلامهم كما استعمل الرحيم والرحوم والراحم، أو لأنهم أنكروا إطلاقه على الله تعالى (لما تأمرنا) أي للذي تأمرناه بمعنى تأمرنا سجوده على قوله أمرتك الخير أو لأمرك لنا. وقرئ بالياء كأن بعضهم قال لبعض: أنسجد لما يأمرنا محمد صلى الله عليه وسلم، أو يأمرنا المسمى بالرحمن ولا نعرف ما هو، وفي (زادهم) ضمير اسجدوا للرحمن لأنه هو المقول. البروج: منازل الكواكب السبعة السيارة: الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت، سميت بالبروج التي هي القصور العالية لأنها لهذه الكواكب كالمنازل لسكانها، واشتقاق البرج من التبرج لظهوره. والسراج: الشمس كقوله تعالى - وجعل الشمس سراجا - وقرئ سرجا وهى الشمس والكواكب الكبار معها. وقرأ الحسن والأعمش وقمرا منير، وهى جمع ليلة قمراء كأنه قال: وذا قمر منيرا لأن الليالي تكون قمرا فأضافه إليها،
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»