الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٠٦
وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين. قوم فرعون ألا يتقون. قال رب إني أخاف أن يكذبون. ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون.
____________________
إن في الإنبات لآية أي آية. وأن يراد أن في كل واحد من تلك الأزواج لآية، وقد سبقت لهذا الوجه نظائر. سجل عليهم بالظلم بأن قدم القوم الظالمين ثم عطفهم عليهم عطف البيان كأن معنى القوم الظالمين وترجمته قوم فرعون، وكأنهما عبارتان تعتقبان على مؤدى واحد إن شاء ذاكرهم عبر عنهم بالقوم الظالمين، وإن شاء عبر بقوم فرعون، وقد استحقوا هذا الاسم من جهتين: من جهة ظلمهم أنفسهم بالكفر وشرارتهم، ومن جهة ظلمهم لبني إسرائيل باستعبادهم لهم. قرئ ألا يتقون بكسر النون بمعنى ألا يتقونني، فحذفت النون لاجتماع النونين والياء للاكتفاء بالكسرة. فإن قلت: بم تعلق قوله: ألا يتقون؟ قلت: هو كلام مستأنف أتبعه عز وجل إرساله إليهم للإنذار والتسجيل عليهم بالظلم تعجيبا لموسى من حالهم التي شنعت في الظلم والعسف ومن أمنهم العواقب وقلة خوفهم وحذرهم من أيام الله. ويحتمل أن يكون لا يتقون حالا من الضمير في الظالمين، أي يظلمون غير متقين الله وعقابه فأدخلت همزة الإنكار على الحال. وأما من قرأ ألا تتقون على الخطاب فعلى طريقة الالتفات إليهم وجبههم وضرب وجوههم بالإنكار والغضب عليهم، كما ترى من يشكو من ركب جناية إلى بعض أخصائه والجاني حاضر، فإذا اندفع في الشكاية وحر مزاجه وحمى غضبه قطع مباثة صاحبه وأقبل على الجاني يوبخه ويعنف به ويقول له: ألم تتق الله؟ ألم تستحى من الناس؟ فإن قلت: فما فائدة هذا الالتفات والخطاب مع موسى عليه الصلاة والسلام في وقت المناجاة والملتفت إليهم غيب لا يشعرون؟ قلت: إجراء ذلك في تكليم المرسل إليهم في معنى إجرائه بحضرتهم وإلقائه إلى مسامعهم لأنه مبلغه ومنهيه وناشره بين الناس، وله فيه لطف وحث على زيادة التقوى، وكم من آية أنزلت في شأن الكافرين وفيها أوفر نصيب للمؤمنين تدبرا لها واعتبارا بموردها، وفى ألا يتقون بالياء وكسر النون وجه آخر، وهو أن يكون المعنى: ألا يا ناس اتقون كقوله ألا يا اسجدوا. ويضيق وينطلق بالرفع لأنهما معطوفان على خبر إن، وبالنصب لعطفهما على صلة أن، والفرق بينهما في المعنى أن الرفع يفيد أن فيه ثلاث علل: خوف التكذيب، وضيق الصدر، وامتناع انطلاق اللسان. والنصب على أن خوفه متعلق بهذه الثلاثة: فإن قلت: في النصب تعليق الخوف بالأمور الثلاثة وفى جملتها نفى انطلاق اللسان وحقيقة الخوف إنما هي غم يلحق الإنسان لأمر سيقع وذلك كان واقعا فكيف جاز تعليق الخوف به؟ قلت: قد علق الخوف بتكذيبهم وبما يحصل له بسببه من ضيق الصدر والحبسة في اللسان زائدة على ما كان به، على أن تلك الحبسة التي كانت به قد زالت بدعوته، وقيل بقيت منها بقية يسيرة. فإن قلت: اعتذارك هذا يرده الرفع لأن المعنى إني خائف ضيق الصدر غير منطلق اللسان. قلت: يجوز أن يكون هذا قبل الدعوة واستجابتها، ويجوز أن يريد القدر اليسير الذي بقى به، ويجوز أن لا يكون مع حل العقدة من لسانه من الفصحاء المصاقح الذين أوتوا سلاطة الألسنة وبسطة المقال وهرون كان بتلك الصفة فأراد أن يقرن به، ويدل عليه قوله تعالى - وأخي هارون هو أفصح منى لسانا - ومعنى (فأرسل إلى هارون) أرسل إليه جبرائيل واجعله نبيا وازرني به واشدد به عضدي، وهذا كلام مختصر وقد بسطه في غير هذا الموضع وقد أحسن في الاختصار حيث قال - فأرسل إلى هارون - فجاء بما يتضمن معنى الاستنباء، ومثله في تقصير الطويلة والحسن قوله
(١٠٦)
مفاتيح البحث: الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»