الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٩٩
وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما.
والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما. والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما.
____________________
ونظيره في بقاء حكم المضاف بعد سقوطه وقيام المضاف إليه مقامه قول حسان * بردى يصفق بالرحيق السلسل * يريد ماء بردى، ولا يبعد أن يكون القمر بمعنى القمر كالرشد والرشد والعرب والعرب. الخلفة من خلف كالركبة من ركب وهى الحالة التي يخلف عليها الليل والنهار كل واحد منهما الآخر، والمعنى: جعلهما ذوي خلفة: أي ذوي عقبة: أي يعقب هذا ذاك وذاك هذا، ويقال الليل والنهار يختلفان كما يقال يعتقبان، ومنه قوله - واختلاف الليل والنهار - ويقال بفلان خلفة واختلاف إذا اختلف كثيرا إلى متبرزه. وقرئ يذكر ويذكر. وعن أبي بن كعب رضي الله عنه: يتذكر، والمعنى: لينظر في اختلافهما الناظر فيعلم أن لا بد لانتقالهما من حال إلى حال وتغيرهما من ناقل ومغير، ويستدل بذلك على عظم قدرته ويشكر الشاكر على النعمة فيهما من السكون بالليل والتصرف بالنهار كما قال عز وعلا - ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله - أو ليكونا وقتين للمتذكرين والشاكرين من فاته في أحدهما ورده من العبادة قام به في الآخر. وعن الحسن رضي الله عنه:
من فاته عمله من التذكر والشكر بالنهار كان له في الليل مستعتب ومن فاته بالليل كان له في النهار مستعتب (وعباد الرحمن) مبتدأ خبره في آخر السورة كأنه قيل: وعباد الرحمن الذين هذه صفتهم أولئك يجزون الغرفة، ويجوز أن يكون خبره الذين يمشون وأضافهم إلى الرحمن تخصيصا وتفضيلا. وقرئ وعباد الرحمن. وقرئ يمشون (هونا) حال أو صفة للمشي بمعنى هينين أو مشيا هينا، إلا أن في وضع المصدر موضع الصفة مبالغة. والهون: الرفق واللين، ومنه الحديث " أحبب حبيبك هونا ما " وقوله " المؤمنون هينون لينون " والمثل: إذا عز أخوك فهن، ومعناه:
إذا عاسر فياسر، والمعنى: أنهم يمشون بسكينة ووقار وتواضع لا يضربون بأقدامهم ولا يخفقون بنعالهم أشرا وبطرا، ولذلك كره بعض العلماء الركوب في الأسواق ولقوله - ويمشون في الأسواق - (سلاما) تسلما منكم لا نجاهلكم ومتاركة لا خير بيننا ولا شر: أي نتسلم منكم تسلما فأقيم السلام مقام التسلم. وقيل قالوا سدادا من القول يسلمون فيه من الايذاء والإثم، والمراد بالجهل السفه وقلة الأدب وسوء الرعة من قوله:
ألا لا يجهلن أحد علينا * فنجهل فوق جهل الجاهلينا وعن أبي العالية نسختها آية القتال، ولا حاجة إلى ذلك لأن الإغضاء عن السفهاء وترك المقابلة مستحسن في الأدب والمروءة والشريعة وأسلم للعرض والورع. البيتوتة خلاف الظلول وهو أن يدركك الليل نمت أو لم تنم.
وقالوا: من قرأ شيئا من القرآن في صلاته وإن قل فقد بات ساجدا وقائما. وقيل هما الركعتان بعد المغرب والركعتان بعد العشاء، والظاهر أنه وصف لهم بإحياء الليل أو أكثره، يقال فلان يظل صائما ويبيت قائما (غراما) هلاكا وخسرانا ملحا لازما قال:
يوم النسار ويوم الجفا * ركانا عذابا وكانا غراما
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»