الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٨١
للعالمين نذيرا. الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شئ فقدره تقديرا. واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا. وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا.
____________________
(للعالمين) للجن والانس (نذيرا) منذرا: أي مخوفا، أو إنذارا كالنكير بمعنى الانكار، ومنه قوله تعالى - فكيف كان عذابي ونذر - (الذي له) رفع على الابدال من الذي نزل أو رفع على المدح أو نصب عليه. فإن قلت:
كيف جاز الفصل بين البدل والمبدل منه؟ قلت: ما فصل بينهما بشئ لان المبدل منه صلته نزل وليكون تعليل له، فكأن المبدل منه لم يتم إلا به. فإن قلت: في الخلق معنى التقدير فما معنى قوله (وخلق كل شئ فقدره تقديرا) كأنه قال وقدر كل شئ فقدره؟ قلت: المعنى أنه أحدث كل شئ إحداثا مراعى فيه التقدير والتسوية فقدره وهيأة لما يصلح له، مثاله أنه خلق الانسان على هذا الشكل المقدر المسوى الذي تراه، فقدره للتكاليف والمصالح المنوطة في بابي الدين والدنيا، وكذلك كل حيوان وجماد جاء به على الجبلة المستوية المقدرة بأمثلة الحكمة والتدبير فقدره لأمر ما، ومصلحة مطابقا لما قدر له غير متجاف عنه، أو سمى إحداث الله خلقا لأنه لا يحدث شيئا لحكمته إلا على وجه التقدير من غير تفاوت، فإذا قيل خلق الله كذا فهو بمنزلة قولك أحدث وأوجد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق، فكأنه قيل وأوجد كل شئ فقدره في إيجاده لم يوجده متفاوتا. وقيل فجعل له غاية ومنتهى، ومعناه:
فقدره للبقاء إلى أمد معلوم. الخلق بمعنى الافتعال كما في قوله تعالى - إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا - والمعنى: أنهم آثروا على عبادة الله سبحانه عبادة آلهة لاعجز أبين من عجزهم لا يقدرون على شئ من أفعال الله ولا من أفعال العباد حيث لا يفتعلون شيئا وهم يفتعلون، لان عبدتهم يصنعونهم بالنحت والتصوير (ولا يملكون) أي لا يستطيعون لأنفسهم دفع ضرر عنها أو جلب نفع إليها وهم يستطيعون، وإذا عجزوا عن الافتعال ودفع الضرر وجلب النفع التي يقدر عليها العباد كانوا عن الموت والحياة والنشور التي لا يقدر عليها إلا الله أعجز (قوم آخرون) قيل هم اليهود، وقيل عداس مولى حويطب بن عبد العزى ويسار مولى العلاء بن الحضرمي وأبو فكيهة الرومي، قال ذلك النضر بن الحرث بن عبد الدار. جاء وأنى يستعملان في معنى فعل فيعديان تعديته، وقد يكون على معنى وردوا ظلما كما تقول جئت المكان، ويجوز أن يحذف الجار ويوصل الفعل. وظلمهم أن جعلوا العربي يتلقن من العجمي الرومي كلاما عربيا أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب. والزور أن بهتوه بنسبة ما هو برئ منه
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 86 87 ... » »»