الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٦٦
أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن
____________________
قيمته لم يجز، فإن أداها عتق، وإن كاتبه على وصيف جاز لقلة الجهالة ووجب الوسط، وليس له أن يطأ المكاتبة وإذا أدى عتق وكان ولاؤه لمولاه لأنه جاد عليه بالكسب الذي هو في الأصل له، وهذا الامر للندب عند عامة العلماء. وعن الحسن رضي الله عنه: ليس ذلك بعزم إن شاء كاتب وإن شاء لم يكاتب. وعن عمر رضي الله عنه:
هي عزمة من عزمات الله. وعن ابن سيرين مثله وهو مذهب داود (خيرا) قدرة على أداء ما يفارقون عليه وقيل أمانة وتكسبا. وعن سلمان رضي الله عنه أن مملوكا له ابتغى أن يكاتبه فقال: أعندك مال؟ قال لا، قال:
أفتأمرني أن آكل غسالة أيدي الناس؟ (وآتوهم) أمر للمسلمين على وجه الوجوب بإعانة المكاتبين وإعطائهم سهمهم الذي جعل الله لهم من بيت المال كقوله تعالى - وفى الرقاب - عند أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم. فإن قلت: هل يحل لمولاه إذا كان غنيا أن يأخذ ما تصدق به عليه؟ قلت: نعم، وكذلك إذا لم تف الصدقة بجميع البدل وعجز عن أداء الباقي طاب للمولى ما أخذه لأنه لم يأخذه بسبب الصدقة ولكن بسبب عقد المكاتبة كمن اشترى الصدقة من الفقير أو ورثها أو وهبت له، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بريرة " هو لها صدقة ولنا هدية " وعند الشافعي رضي الله عنه: هو إيجاب على الموالى أن يحطوا لهم من مال الكتابة. وإن لم يفعلوا أجبروا. وعن علي رضي الله عنه: يحط له الربع. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: يرضخ له من كتابته شيئا.
وعن عمر رضي الله عنه أنه كاتب عبدا له يكنى أبا أمية وهو أول عبد كوتب في الاسلام، فأتاه بأول نجم فدفعه إليه عمر رضي الله عنه وقال: استعن به على مكاتبتك، فقال: لو أخرته إلى آخر نجم فقال: أخاف أن لا أدرك ذلك وهذا عند أبي حنيفة رضي الله عنه على وجه الندب، وقال: إنه عقد معاوضة فلا يجبر على الحطيطة كالبيع وقيل معنى وآتوهم: أسلفوهم، وقيل أنفقوا عليهم بعد أن يؤدوا ويعتقوا، وهذا كله مستحب. وروى أنه كان لحويطب بن عبد العزى مملوك يقال له الصبيح سأل مولاه أن يكاتبه فأبى فنزلت. كانت إيماء أهل الجاهلية يساعين على مواليهن، وكان لعبد الله بن أبي رأس النفاق ست جوار: معاذة ومسيكة وأميمة وأروى ونتيلة يكرههن على البغاء وضرب عليهن ضرائب، فشكت ثنتان منهن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت. ويكنى بالفتى والفتاة عن العبد والأمة، وفي الحديث " ليقل أحدكم فتاي وفتاتي ولا يقل عبدي وأمتى ". والبغاء مصدر البغى. فإن قلت: لم أقحم قوله (إن أردن تحصنا)؟ قلت: لان الاكراه لا يتأتى إلا مع إرادة التحصن، وآمر الطيعة المواتية
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»