الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٦٩
ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب.
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب. أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
____________________
صناعته ألهته مالا يلهيه شراء شئ يتوقع فيه الربح في الوقت الثاني: لان هذا يقين وذاك مظنون، وإما أن يسمى الشراء تجارة إطلاقا لاسم الجنس على النوع كما تقول: رزق فلان تجارة رابحة: إذا اتجه له بيع صالح أو شراء.
وقيل التجارة لأهل الجلب، أتجر فلان في كذا إذا جلبه. التاء في إقامة عوض من العين الساقطة للاعلال والأصل إقوام، فلما أضيفت أقيمت الإضافة مقام حرف التعويض فأسقطت ونحوه: * وأخلفوك عد الامر الذي وعدوا * وتقلب القلوب والابصار إما أن تتقلب وتتغير في أنفسها وهو أن تضطرب من الهول والفزع وتشخص كقوله - وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر - وإما أن تتقلب أحوالها وتتغير فتفقه القلوب بعد أن كانت مطبوعا عليها لا تفقه وتبصر الابصار بعد أن كانت عميا لا تبصر (أحسن ما عملوا) أي أحسن جزاء أعمالهم كقوله - للذين أحسنوا الحسنى - والمعنى: يسبحون ويخافون ليجزيهم ثوابهم مضاعفا ويزيدهم على الثواب تفضلا، وكذلك معنى قوله - الحسنى وزيادة - المثوبة الحسنى وزيادة عليها من التفضل، وعطاء الله تعالى إما تفضل وإما ثواب وإما عوض (والله يرزق) ما يتفضل به (بغير حساب) فأما الثواب فله حساب لكونه على حسب الاستحقاق.
السراب: ما يرى في الفلاة من ضوء الشمس وقت الظهيرة يسرب على وجه الأرض كأنه ماء يجرى. والقيعة بمعنى القاع أو جمع قاع وهو المنبسط المستوى من الأرض كجيرة في جار. وقرئ بقيعات بتاء ممطوطة كديمات وقيمات في ديمة وقيمة، وقد جعل بعضهم بقيعاة بتاء مدورة كرجل عزهاة، شبه ما يعمله من لا يعتقد الايمان ولا يتبع الحق من الأعمال الصالحة التي يحسبها تنفعه عند الله ونتجيه من عذابه ثم تخيب في العاقبة أمله ويلقى خلاف ما قدر بسراب يراه الكافر بالساهرة وقد غلبه عطش يوم القيامة فيحسبه ماء، فيأتيه فلا يجد ما رجاه ويجد زبانية الله عنده يأخذونه فيعتلونه إلى جهنم فيسقونه الحميم والغساق، وهم الذين قال الله فيهم - عاملة ناصبة - وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا - وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا - وقيل نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية، قد كان تعبد ولبس المسوح والتمس الدين في الجاهلية ثم كفر في الاسلام. اللجي: العميق الكثير الماء منسوب إلى اللج وهو معظم ماء البحر. وفى (أخرج) ضمير الواقع فيه (لم يكد يراها) مبالغة في لم يرها: أي لم يقرب أن يراها فضلا عن أن يراها، ومثله قول ذي الرمة:
إذا غير النأى المحبين لم يكد * رسيس الهوى من حب مية يبرح أي لم يقرب من البراح فما باله يبرح، شبه أعمالهم أولا في فوات نفعها وحضور ضررها بسراب لم يجده من
(٦٩)
مفاتيح البحث: الظمأ (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»