الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٦٧
فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم. ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين. الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية
____________________
للبغاء لا يسمى مكرها ولا أمره إكراها، وكلمة إن وإيثارها على إذا إيذان بأن المساعيات كن يفعلن ذلك برغبة وطواعية منهن، وأن ما وجد من معاذة ومسيكة من حيز الشاذ النادر (غفور رحيم) لهم أولهن أولهم ولهن إن تابوا وأصلحوا. وفى قراءة ابن عباس لهن غفور رحيم. فإن قلت: لا حاجة إلى تعليق المغفرة بهن لان المكرهة على الزنا بخلاف المكره عليه في أنها غير آثمة. قلت: لعل الاكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة من إكراه بقتل أو بما يخاف منه التلف أو ذهاب العضو من ضرب عنيف أو غيره حتى تسلم من الاثم، وربما قصرت عن الحد الذي تعذر فيه فتكون آثمة (مبينات) هي الآيات التي بينت في هذه السورة وأوضحت في معاني الاحكام والحدود.
ويجوز أن يكون الأصل مبينا فيها فاتسع في الظرف. وقرئ بالكسر: أي بينت هي الاحكام والحدود، جعل الفعل لها على المجاز أو من بين بمعنى تبين، ومنه المثل: قد بين الصبح لذي عينين (ومثلا من) أمثال من قبلكم أي قصة عجيبة من قصصهم كقصة يوسف ومريم: يعنى قصة عائشة رضى الله تعالى عنها (وموعظة) ما وعظ به في الآيات والمثل من نحو قوله - ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله - لولا إذ سمعتموه - ولولا إذ سمعتموه - يعظكم الله أن تعودا لمثله أبدا - نظير قوله (الله نور السماوات والأرض) مع قوله - مثل نوره - و- يهدى الله لنوره - قولك زيد كرم وجود ثم تقول: ينعش الناس بكرمه وجوده، والمعنى: ذو نور السماوات وصاحب نور السماوات ونور السماوات والأرض الحق شبهه بالنور في ظهوره وبيانه كقوله تعالى - الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور - أي من الباطل إلى الحق، وأضاف النور إلى السماوات والأرض لاحد معنيين: إما للدلالة على سعة إشراقه وفسو إضاءته حتى تضئ له السماوات والأرض، وإما أن يراد أهل السماوات والأرض وأنهم يستضيئون به (مثل نوره) أي صفة نورده العجيبة الشأن في الإضاءة (كمشكاة) كصفة مشكاة وهى الكوة في الجدار غير النافذة (فيها مصباح) سراج ضخم ثاقب (في زجاجة) أراد قنديلا من زجاج شامي أزهر، شبهه في زهرته بأحد الدراري من الكواكب وهى المشاهير كالمشتري والزهرة والمريخ وسهيل ونحوها (توقد) هذا المصباح (من شجرة) أي ابتدأ ثقوبه من شجرة الزيتون: يعنى رويت زبالته بزيتها (مباركة) كثيرة المنافع، أو لأنها تنبت في الأرض التي بارك فيها للعالمين. وقيل بارك فيها سبعون نبيا منهم إبراهيم عليه السلام، وعن النبي صلى الله عليه وسلم " عليكم بهذه الشجرة زيت الزيتون فتداوا به فإنه مصحة من الباسور " (لا شرقية ولا غربية) أي منبتها الشام وأجود الزيتون زيتون الشام. وقيل لا في مضحى ولا مقنأة، ولكن الشمس والظل يتعاقبان عليها وذلك أجود لحملها وأصفى لدهنها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا خير في شجرة في مقنأة، ولا بنات في مقنأة، ولا خير فيهما في مضحى " وقيل ليست مما تطلع عليها الشمس في وقت شروقها أو غروبها فقط بل تصيبها
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»