الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٢٧
قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم. يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجر كم من عذاب أليم.
____________________
كانت تسترق السمع فلما حرست السماء ورجموا بالشهب قالوا ما هذا إلا لنبأ حدث، فنهض سبعة نفر أو تسعة من أشراف الجن نصيبين أو نينوى منهم زوبعة، فضربوا حتى بلغوا تهامة ثم اندفعوا إلى وادى نخلة، فوافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم في جوف الليل يصلى أو في صلاة الفجر فاستمعوا لقراءته، وذلك عند منصرفه من الطائف حين خرج إليهم يستنصرهم فلم يجيبوه إلى طلبته وأغروا به سفهاء ثقيف. وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه : ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم، وإنما كان يتلو في صلاته فمروا به فوقفوا مستمعين وهو لا يشعر فأنبأه الله باستماعهم. وقيل بل أمر الله رسول أن ينذر الجن ويقرأ عليهم، فصرف إليه نفرا منهم جمعهم له فقال: إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة، فمن يتبعني قالها ثلاثا، فأطرقوا إلا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لم يحضره ليلة الجن أحد غيري، فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة في شعب الحجون فخط لي خطا وقال: لا تخرج منه حتى أعود إليك، ثم افتتح القرآن وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم انقطعوا كقطع السحاب، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت شيئا؟ قلت نعم، رجالا سودا مستثقري ثياب بيض، فقال: أولئك جن نصيبين وكانوا اثنى عشر ألفا، والسورة التي قرأها عليهم - اقرأ باسم ربك - فإن قلت: كيف قالوا (من بعد موسى)؟ قلت: عن عطاء رضي الله عنه أنهم كانوا على اليهودية. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى عليه السلام فلذلك قالت من بعد موسى. فإن قلت: لم بعض في قوله (من ذنوبكم)؟
قلت: لأن من الذنوب ما لا يفغر بالإيمان كذنوب المظالم ونحوها، ونحوه قوله عز وجل - أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم - فإن قلت: هل للجن ثواب كما للإنس؟ قلت: اختلف فيه فقيل لا ثواب لهم إلا النجاة من النار لقوله تعالى (ويجركم من عذاب أليم) وإليه كان يذهب أبو حنيفة رحمه الله، والصحيح أنهم
(٥٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 522 523 524 525 526 527 528 529 530 531 532 ... » »»