الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٢٤
ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم. قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين. قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون. فلما رأوه عارضا مستقبل أو ديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم، تدمر كل شئ بأمر ربها فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم كذلك نجزى القوم المجرمين.
____________________
التفسير: ومن بعد إنذاره هذا إذا علقت - وقد خلت النذر - بقوله - أنذر قومه - ولك أن تجعل قوله تعالى - وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه - إعتراضا بين أنذر قومه وبين (ألا تعبدوا) ويكون المعنى: واذكر إنذار هود قومه عاقبة الشرك والعذاب العظيم، وقد أنذر من تقدمه من الرسل ومن تأخر عنه مثل ذلك فاذكرهم.
الإفك: الصرف، يقال أفكه عن رأيه (عن آلهتنا) عن عبادتها (بما تعدنا) من معاجلة العذاب على الشرك (إن كنت) صادقا في وعدك. فإن قلت: من أين طابق قوله تعالى (إنما العلم عند الله) جوابا لقولهم - فأتنا بما تعدنا -؟
قلت: من حيث إن قولهم هذا استعجال منهم بالعذاب، ألا ترى إلى قوله تعالى - بل هو ما استعجلتم به - فقال لهم:
لا علم عندي بالوقت الذي يكون فيه تعذيبكم حكمة وصوابا، إنما علم ذلك عند الله فكيف أدعوه بأن يأتيكم بعذابه في وقت عاجل تقترحونه أنتم، ومعنى (وأبلغكم ما أرسلت به) وقرئ بالتخفيف أن الذي هو شأني وشرطي أن أبلغكم ما أرسلت به من الإنذار والتخويف والصرف عما يعرضكم لسخط الله بجهدي، ولكنكم جاهلون لا تعلمون أن الرسل لم يبعثوا إلا منذرين لا مقترحين ولا سائلين غير ما أذن لهم فيه (فلما رأوه) في الضمير وجهان: أن يرجع إلى ما تعدنا وأن يكون مبهما قد وضح أمره بقوله (عارضا) إما تمييزا وإما حالا وهذا الوجه أعرب وأفصح، والعارض: السحاب الذي يعرض في أفق السماء، ومثله الحبى والعنان من حبا وعن إذا عرض. وإضافة مستقبل وممطر مجازية غير معرفة بدليل وقوعهما وهما مضافان إلى معرفتين وصفا للنكرة (بل هو) القول قبله مضمر، والقائل هود عليه السلام والدليل عليه قراءة من قرأ قال هود بل هو، وقرئ: قل بل ما استعجلتم به هي ريح:
أي قال الله تعالى قل (تدمر كل شئ) تهلك من نفوس عاد وأموالهم الجم الكثير فعبر عن الكثرة بالكلية، وقرئ: يدمر كل شئ، من دمر دمارا إذا هلك (لا ترى) الخطاب للرائي من كان، وقرئ لا يرى على البناء للمفعول بالياء والتاء، وتأويل القراءة بالتاء وهى عن الحسن رضي الله عنه لا ترى بقايا ولا أشياء منهم (إلا مساكنهم) ومنه بيت ذي الرمة: * وما بقيت إلا الضلوع الجراشع * وليست بالقوية. وقرئ: لا ترى إلا مسكنهم، ولا يرى إلا مسكنهم. وروى أن الريح كانت تحمل الفسطاط والظعينة فترفعها في الجو حتى ترى كأنها جرادة. وقيل أول من أبصر العذاب امرأة منهم قالت: رأيت ريحا فيها كشهب النار. وروى أول ما عرفوا به أنه عذاب أنهم رأوا ما كان في الصحراء من رحالهم ومواشيهم تطير به الريح بين السماء والأرض، فدخلوا بيوتهم وغلقوا أبوابهم فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم، وأمال الله عليهم الأحقاف فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين، ثم كشفت الريح عنهم فاحتملتهم فطرحتهم في البحر. وروى أن هودا لما أحس بالريح خط على
(٥٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 519 520 521 522 523 524 525 526 527 528 529 ... » »»