الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٣١
أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم. سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم.
____________________
في قوله تعالى - فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان - (أثخنتموهم) أكثرتم قتلهم وأغلظتموه من الشئ الثخين وهو الغليظ، أو أثقلتموهم بالقتل والجراح حتى أذهبتم عنهم النهوض (فشدوا الوثاق) فأسروهم والوثاق بالفتح والكسر اسم ما يوثق به. منا وفداء منصوبان بفعليهما مضمرين: أي فإما تمنون منا وإما تفدون فداء، والمعنى: التخيير بعد الأسر بين أن يمنوا عليهم فيطلقوهم وبين أن يفادوهم فإن قلت: كيف حكم أسارى المشركين؟ قلت: أما عند أبي حنيفة وأصحابه فأحد أمرين: إما قتلهم، وإما استرقاقهم أيهما رأى الإمام، ويقولون في المن والفداء المذكورين في الآية نزل ذلك في يوم بدر ثم نسخ. وعن مجاهد: ليس اليوم من ولا فداء، وإنما هو الإسلام أو ضرب العنق، ويجوز أن يراد بالمن أن يمن عليهم بترك القتل ويسترقوا، أو يمن عليهم فيخلوا لقبولهم الجزية وكونهم من أهل الذمة. وبالفداء أن يفادى بأساراهم أسارى المشركين، فقد رواه الطحاوي مذهبا عن أبي حنيفة والمشهور أنه لا يرى فداءهم لا بمال ولا بغيره خيفة أن يعودوا حربا للمسلمين، وأما الشافعي فيقول: للإمام أن يختار أحد أربعة على حسب ما اقتضاه نظره للمسلمين وهو القتل والاستقرقاق والفداء بأسارى المسلمين والمن. ويحتج بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم من على أبى عروة الحجى وعلى ابن أنال الحنفي وفادى رجلا برجلين من المشركين، وهذا كله منسوخين عند أصحاب الرأي. وقرئ فدى بالقصر مع فتح الفاء. أوزار الحرب: آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع، قال الأعشى:
وأعددت للحرب أوزارها * رماحا طوالا وخيلا ذكورا وسميت أوزارها لأنه لم يكن لها بد من جرها فكأنها تحملها وتستقل بها. فإذا انقضت فكأنها وضعتها، وقيل أوزارها آثامها: يعنى حتى يترك أهل الحرب وهم المشركون شركهم ومعاصيهم بأن يسلموا. فإن قلت:
حتى بم تعلقت؟ قلت: لا تخلو إما أن تتعلق بالضرب والشد أو بالمن والفداء، فالمعنى على كلا المتعلقين عند الشافعي رضي الله عنه أنهم لا يزالون على ذلك أبدا إلى أن لا يكون حرب مع المشركين وذلك إذا لم يبق لهم شوكة، وقيل إذا نزل عيسى بن مريم عليه السلام. وعند أبي حنيفة رحمه الله: إذا علق بالضرب والشد، فالمعنى: أنهم يقتلون ويؤسرون حتى تضع جنس الحرب الأوزار وذلك حين لا تبقى شوكة للمشركين. وإذا علق بالمن والفداء فالمعنى: أنه يمن عليهم ويفادون حتى تضع حرب بدر أوزارها إلا أن يتأول المن والفداء بما ذكرنا من التأويل (ذلك) أي الأمر ذلك، أو افعلوا ذلك (لانتصر منهم) لأنتقم منهم ببعض أسباب الهلك من خسف أو رجفة أو حاصب أو غرق أو موت جارف (ولكن) أمركم بالقتال ليبلو المؤمنين بالكافرين بأن يجاهدوا ويصبروا حتى يستوجبوا الثواب العظيم، والكافرين بالمؤمنين بأن يعالجهم على أيديهم ببعض ما وجب لهم من العذاب. وقرئ قتلوا بالتخفيف والتشديد وقتلوا وقاتلوا. وقرئ فلن يضل أعمالهم وتضل أعمالهم على النباء للمفعول، ويضل أعمالهم من ضل. وعن قتادة أنها نزلت في يوم أحد (عرفها لهم) أعلمها لهم وبينها بما يعلم به كل أحد منزلته ودرجته
(٥٣١)
مفاتيح البحث: الضلال (1)، القتل (1)، الحرب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 526 527 528 529 530 531 532 533 534 535 536 ... » »»