الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٨٤
* أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون * بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون * وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون * قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون * فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين * وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين * وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم
____________________
إن الملائكة بنات الله من علم إن هم إلا يخرصون في ذلك القول لا في تعليق عبادتهم بمشيئة الله؟ قلت: تمحل مبطل وتحريف مكابر ونحوه قوله تعالى - سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم - الضمير في (من قبله) للقرآن أو الرسول، والمعنى: أنهم ألصقوا عبادة غير الله بمشيئة الله قولا قالوه غير مستند إلى علم، ثم قال: أم آتيناهم كتابا قبل هذا الكتاب نسبنا فيه الكفر والقبائح إلينا فحصل لهم علم بذلك من جهة الوحي فاستمسكوا بذلك الكتاب واحتجوا به، بل لا حجة لهم يستمسكون بها إلا قولهم (إنا وجدنا آباءنا على أمة) على دين، وقرئ على إمة بالكسر وكلتاهما من الأم وهو القصد، فالأمة:
الطريقة التي تؤم: أي تقصد كالرحلة للمرحول إليه، والأمة: الحالة التي يكون عليها الآم وهو القاصد، وقيل على نعمة وحالة حسنة (على آثارهم مهتدون) خبر إن أو الظرف صلة لمهتدون (مترفوها) الذين أترفتهم النعمة:
أي أبطرتهم فلا يحبون إلا الشهوات والملاهي ويعافون مشاق الدين وتكاليفه. قرئ قل وقال وجئتكم وجئناكم:
يعنى أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم. قالوا إنا ثابتون على دين آبائنا لا ننفك عنه وإن جئتنا بما هو أهدى وأهدى. قرئ براء بفتح الباء وضمها وبرئ فبرئ وبراء نحو كريم وكرام وبراء مصدر كظماء ولذلك استوى فيه الواحد والاثنان والجماعة والمذكر والمؤنث، يقال نحن البراء منك والخلاء منك (الذي فطرني) فيه غير وجه أن يكون منصوبا على أنه استثناء منقطع كأنه قال: لكن الذي فطرني فإنه سيهدين، وأن يكون مجرورا بدلا من المجرور بمن كأنه قال: إنني براء مما تعبدون إلا من الذي فطرني. فإن قلت: كيف تجعله بدلا وليس من جنس ما يعبدون من وجهين: أحدهما أن ذات الله مخالفة لجميع الذوات فكانت مخالفة لذوات ما يعبدون. والثاني أن الله تعالى غير معبود بينهم والأوثان معبودة؟ قلت: قالوا كانوا يعبدون الله مع أوثانهم وأن تكون إلا صفة بمعنى غير على أن " ما " في ما تعبدون موصوفة تقديره إنني براء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني فهو نظير قوله تعالى - لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا - فإن قلت: ما معنى قوله (سيهدين) على التسويف؟ قلت: قال مرة فهو يهدين ومرة فإنه سيهدين، فأجمع بينهما وقدر كأنه قال: فهو يهدين وسيهدين، فيدلان على استمرار الهداية في الحال والاستقبال (وجعلها) وجعل إبراهيم صلوات الله عليه كلمة التوحيد التي تكلم بها وهى قوله - إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني - (كلمة باقية في عقبه) في ذريته فلا يزال فيهم من يوحد الله ويدعو إلى توحيده. لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم، ونحوه - ووصى بها إبراهيم بنيه - وقيل جعلها الله. وقرئ كلمة على
(٤٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 479 480 481 482 483 484 485 486 487 488 489 ... » »»