الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٨٣
* وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون * وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون
____________________
كان غير مبين ليس عنده بيان ولا يأتي ببرهان يحتج به من يخاصمه وذلك لضعف عقول النساء ونقصانهن عن فطرة الرجال، يقال: قلما تكلمت امرأة فأرادت أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها، وفيه أنه جعل النش ء في الزينة والنعومة من المعايب والمذام وأنه من صفة ربات الحجال، فعلى الرجل أن يحتنب ذلك ويأنف منه ويربأ بنفسه عنه ويعيش كما قال عمر رضي الله عنه: اخشوشنوا واخشوشبوا وتمعددوا، وإن أراد أن يزين نفسه زينها من باطن بلباس التقوى. وقرئ ينشأ وينشأ ويناشأ ونظير المناشأة بمعنى الإنشاء المغالاة بمعنى الإغلاء. قد جمعوا في كفرة ثلاث كفرات، وذلك أنهم نسبوا إلى الله الولد ونسبوا إليه أخس النوعين وجعلوه من الملائكة الذين هم أكرم عباد الله على الله فاستخفوا بهم واحتقروهم. وقرئ عباد الرحمن وعبيد الرحمن وعند الرحمن وهو مثل لزلفاهم واختصاصهم وإناثا وأنثا جمع الجمع، ومعنى جعلوا سموا وقالوا إنهم إناث. وقرئ أشهدوا وأأشهدوا بهمزتين مفتوحة ومضمومة وآأشهدوا بألف بينهما، وهذا تهكم بهم بمعنى أنهم يقولون ذلك من غير أن يستند قولهم إلى علم فإن الله لم يضطرهم إلى علم ذلك ولا تطرقوا إليه باستدلال ولا أحاطوا به عن خبر يوجب العلم فلم يبق إلا أن يشاهدوا خلقهم فأخبروا عن هذه المشاهدة (ستكتب شهادتهم) التي شهدوا بها على الملائكة من أنوثتهم (ويسئلون) وهذا وعيد، وقرئ سيكتب وسنكتب بالياء والنون وشهادتهم وشهاداتهم ويساءلون على يفاعلون (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم) هما كفرتان أيضا مضمومتان إلى الكفرات الثلاث وهما عبادتهم الملائكة من دون الله وزعمهم أن عبادتهم بمشيئة الله كما يقول إخوانهم المجبرة. فإن قلت: ما أنكرت على من يقول قالوا ذلك على وجه الاستهزاء ولو قالوه جادين لكانوا مؤمنين؟ قلت: لا دليل على أنهم قالوه مستهزئين وادعاء ما لا دليل عليه باطل، على أن الله تعالى قد حكى عنهم ذلك على سبيل الذم والشهادة بالكفر أنهم جعلوا له من عباده جزءا وأنه اتخذ بنات وأصفاهم بالبنين، وأنهم جعلوا الملائكة المكرمين إناثا وأنهم عبدوهم - وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم - فلو كانوا ناطقين بها على طريق الهزء لكان النطق بالمحكيات قبل هذا المحكي الذي هو إيمان عنده لو جدوا في النطق به مدحا لهم من قبل أنها كلمات كفر نطقوا بها على طريق الهزء فبقى أن يكونوا جادين وتشترك كلها في أنها كلمات كفر، فإن قالوا نجعل هذا الأخير وحده مقولا على وجه الهزء دون ما قبله فما بهم إلا تعويج كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لتسوية مذهبهم الباطل، ولو كانت هذه كلمة حق نطقوا بها هزءا لم يكن لقوله تعالى (ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون) معنى، لأن من قال لا إله إلا الله على طريق الهزء كان الواجب أن ينكر عليه استهزاؤه ولا يكذب لأنه لا يجوز تكذيب الناطق بالحق جادا كان أو هازئا. فإن قلت: ما قولك فيمن يفسر ما لهم بقولهم
(٤٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 478 479 480 481 482 483 484 485 486 487 488 ... » »»