الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٨٧
* ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون * ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون * وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين
____________________
الحرمة بسوء تناولهم وهو عدولهم فيه عما شرعه الله إلى ما لم يشرعه (لبيوتهم) بدل اشتمال من قوله - لمن يكفر - ويجوز أن يكونا بمنزلة اللامين في قولك وهبت له ثوبا لقميصه. وقرئ سقفا بفتح السين وسكون القاف وبضمها وسكون القاف وبضمهما جمع سقف كرهن ورهن ورهن. وعن الفراء جمع سقيفة وسقفا بفتحتين كأنه لغة في سقف وسقوفا. ومعارج ومعاريج والمعارج جمع معرج أو اسم جمع لمعراج وهى المصاعد إلى العلالي (عليها يظهرون) أي على المعارج يظهرون السطوح يعلونها فما استطاعوا أن يظهروه. وسررا بفتح الراء باستثقال الضمتين مع حرفي التضعيف (لما متاع الحياة) اللام هي الفارقة بين إن المخففة والنافية. وقرئ بكسر اللام: أي الذي هو متاع الحياة كقوله تعالى - مثلا ما بعوضة - ولما بالتشديد بمعنى إلا وإن نافية، وقرئ ألا وقرئ وما كل ذلك إلا. لما قال خير مما يجمعون فقال أمر الدنيا وصغرها أردفه ما يقرر قلة الدنيا عنده من قوله (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة) أي ولولا كراهة أن يجتمعوا على الكفر ويطبقوا عليه لجعلنا لحقارة زهرة الحياة الدنيا عندنا للكفار سقوفا ومصاعد وأبوابا وسررا كلها من فضة، وجعلنا لهم زخرفا: أي زينة من كل شئ، والزخرف: الزينة والذهب. ويجوز أن يكون الأصل سقفا من فضة وزخرف: يعنى بعضها من فضة وبعضها من ذهب، فنصب عطفا على محل من فضة، وفي معناه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو وزنت عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء ". فإن قلت:
فحين لم يوسع على الكافرين للفتنة التي كان يؤدى إليها التوسعة عليهم من إطباق الناس على الكفر لجهم الدنيا وتهالكهم عليها فهلا وسع على المسلمين ليطبق الناس على الإسلام؟ قلت: التوسعة عليهم مفسدة أيضا لما تؤدى إليه من الدخول في الإسلام لأجل الدنيا والدخول في الدين لأجل الدنيا من دين المنافقين، فكانت الحكمة فيما دبر حيث جعل في الفريقين أغنياء وفقراء وغلب الفقر على الغنى. وقرئ ومن يعش بضم الشين وفتحها، والفرق بينهما أنه إذا حصلت الآفة في بصره قيل عشى، وإذا نظر نظر العشى ولا آفة به قيل عشا، ونظيره عرج لمن به الآفة وعرج
(٤٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 482 483 484 485 486 487 488 489 490 491 492 ... » »»