الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٨٩
* ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون * أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين * فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون
____________________
كما قيل العمران والقمران. فإن قلت: فما بعد المشرقين؟ قلت: تباعدهما، والأصل بعد المشرق من المغرب والمغرب من المشرق، فلما غلب وجمع المفترقين بالتثنية أضاف البعد إليهما (أنكم) في محل الرفع على الفاعلية يعنى ولن ينفعكم كونكم مشتركين في العذاب كما ينفع الواقعين في الأمر الصعب اشتراكهم فيه لتعاونهم في تحمل أعبائه وتقسمهم لشدته وعنائه، وذلك أن كل واحد منكم به من العذاب مالا تبلغه طاقته، ولك أن تجعل الفعل للتمني في قوله - يا ليت بيني وبينك - على معنى: ولن ينفعكم اليوم ما أنتم فيه من تمنى مباعدة القرين، وقوله - أنكم في العذاب مشتركون - تعليل: أي لن ينفعكم تمنيكم لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه وهو الكفر، وتقويه قراءة من قرأ إنكم بالكسر. وقيل إذا رأى الممنو بشدة من منى بمثلها روحه ذلك ونفس بعض كربه وهو التأسي الذي ذكرته الخنساء * أعزى النفس عنه بالتأسي * فهؤلاء لا يؤسيهم اشتراكهم ولا يروحهم لعظم ما هم فيه فإن قلت: ما معنى قوله تعالى - إذ ظلمتم -؟ قلت: معناه إذ صح ظلمكم وتبين ولم يبق لكم ولا لأحد شبهة في أنكم كنتم ظالمين وذلك يوم القيامة، وإذ بدل من اليوم ونظيره:
* إذ ما انتسبنا لم تلدني لئيمة * أي تبين أنى ولد كريمة. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد ويجتهد ويكد روحه في دعاء قومه وهم لا يزيدون على دعائه إلا تصميما على الكفر وتماديا في الغى فأنكر عليه بقوله (أفأنت تسمع الصم) إنكار تعجيب من أن يكون هو الذي يقدر على هدايتهم، وأراد أنه لا يقدر على ذلك منهم إلا هو وحده على سبيل الإلجاء والقسر كقوله تعالى - إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور - ما في قوله (فإما نذهبن بك) بمنزلة لام القسم في أنها إذا دخلت دخلت معها النون المؤكدة والمعنى: فإن قبضناك قبل أن ننصرك عليهم ونشفى صدور المؤمنين منهم (فإنا منهم منتقمون) أشد الانتقام في الآخرة كقوله تعالى - أو نتوفينك
(٤٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 484 485 486 487 488 489 490 491 492 493 494 ... » »»