الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٧٣
رزقناهم ينفقون والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون * وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين * ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل * إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم * ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور * ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب
____________________
الانتصار؟ قلت: نعم لأن من أخذ حقه غير متعد حد الله وما أمر به فلم يسرف في القتل إن كان ولى دم أورد على سفيه محاماة على عرضه وردعا له فهو مطيع وكل مطيع محمود. كلتا الفعلتين الأولى وجزاؤها سيئة لأنها تسؤ من تنزل به، قال الله تعالى - وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك - يريد ما يسؤهم من المصائب والبلايا، والمعنى: أنه يجب إذا قوبلت الإساءة أن تقابل بمثلها من غير زيادة، فإذا قال أخزاك الله قال أخزاك الله (فمن عفا وأصلح) بينه وبين خصمه بالعفو والإغضاء كما قال تعالى - فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم - (فأجره على الله) عدة مبهمة لا يقاس أمرها في العظم، وقوله (إنه لا يحب الظالمين) دلالة على أن الانتصار لا يكاد يؤمن فيه تجاوز السيئة والاعتداء خصوصا في حال الحرد والتهاب الحمية، فربما كان المجازى من الظالمين وهو لا يشعر.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا كان يوم القيامة نادى مناد: من كان له على الله أجر فليقم، قال: فيقوم خلق فيقال لهم ما أجركم على الله؟ فيقولون: نحن الذين عفونا عمن ظلمنا، فيقال لهم: ادخلوا الجنة بإذن الله " (بعد ظلمه) من إضافة المصدر إلى المفعول وتفسره قراءة من قرأ بعد ما ظلم (فأولئك) إشارة إلى معنى من دون لفظه (ما عليهم من سبيل) للمعاقب ولا للعاقب والعائب (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس) يبتدءونهم بالظلم (ويبغون في الأرض) يتكبرون فيها ويعلون ويفسدون (ولمن صبر) على الظلم والأذى (وغفر) ولم ينتصر وفوض أمره إلى الله (إن ذلك) منه (لمن عزم الأمور) وحذف الراجع لأنه مفهوم كما حذف من قولهم: السمن منوان بدرهم. ويحكى أن رجلا سب رجلا في مجلس الحسن رحمه الله، فكان المسبوب يكظم ويعرق فيمسح العرق، ثم قام فتلا هذه الآية، فقال الحسن: عقلها والله وفهمها إذ ضيعها الجاهلون وقالوا العفو مندوب إليه.
ثم الأمر قد ينعكس في بعض الأحوال فيرجع ترك العفو مندوبا إليه، وذلك إذا احتيج إلى كف زيادة البغى وقطع مادة الأذى، وعن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل عليه " وهو أن زينب أسمعت عائشة بحضرته وكان ينهاها فلا تنتهي فقال لعائشة: دونك فانتصري " (ومن يضلل الله) ومن يخذله الله (فما له من ولى من بعده) فليس له من ناصر
(٤٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 468 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 ... » »»