الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٠٦
وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين * وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون * الله خالق كل شئ وهو على كل شئ وكيل * له مقاليد السماوات والأرض
____________________
يطالق ويجسمونه بكونه مرئيا معاينا مدركا بالحاسة ويثبتون له يدا وقدما وجنبا متسترين بالبلكفة ويجعلون له أندادا بإثباتهم معه قدماء (وجوههم مسودة) جملة في موضع الحال إن كان ترى من رؤية البصر، ومفعول ثان إن كان من رؤية القلب. قرئ ينجى وينجى (بمفازتهم) بفلاحهم، يقال فاز بكذا: إذا أفلح به وظفر بمراده منه، وتفسير المفازة قوله (لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون) كأنه قيل ما مفازتهم؟ فقيل لا يمسهم السوء: أي ينجيهم بنفي السوء والحزن عنهم، أو بسبب منجاتهم من قوله تعالى - فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب - أي بمنجاة منه لأن النجاة من أعظم الفلاح، وسبب منجاتهم العمل الصالح، ولهذا فسر ابن عباس رضي الله عنهما المفازة بالأعمال الحسنة. ويجوز بسبب فلاحهم لأن العمل الصالح سبب الفلاح وهو دخول الجنة. ويجوز أن يسمى العمل الصالح في نفسه مفازة لأنه سببها. وقرئ بمفازاتهم على أن لكل متق مفازة. فإن قلت: لا يمسهم ما محله من الإعراب على التفسيرين. قلت: أما على التفسير الأول فلا محل له لأنه كلام مستأنف، وأما على الثاني فمحله النصب على الحال (له مقاليد السماوات والأرض) أي هو مالك أمرها وحافظها وهو من باب الكناية لأن حافظ الخزائن ومدبر أمرها هو الذي يملك مقاليدها، ومنه قولهم فلان ألقيت إليه مقاليد الملك وهى المفاتيح ولا واحد لها من لفظها.
وقيل مقليد ويقال إقليد وأقاليد والكلمة أصلها فارسة. فإن قلت: ما للكتاب العربي المبين وللفارسية؟ قلت
(٤٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 ... » »»