الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٢٨
* وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب * وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد * يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار * من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب * ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار
____________________
لصاحب القلب. قيل الصرح: البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بعد، اشتقوه من صرح الشئ إذا ظهر، و (أسباب السماوات) طرقها وأبوابها وما يؤدى إليها وكل ما أداك إلى شئ فهو سبب إليه كالرشاء ونحوه.
فإن قلت: ما فائدة هذا التكرير ولو قيل لعلى أبلغ أسباب السماوات لأجزأ؟ قلت: إذا أبهم الشئ ثم أوضح كان تفخيما لشأنه، فلما أراد تفخيم ما أمل بلوغه من أسباب السماوات أبهمهما ثم أوضحها، ولأنه لما كان بلوغها أمرا عجيبا أراد أن يورده على نفس متشوفة إليه ليعطيه السامع حقه من التعجب فأبهمه ليشوف إليه نفس هامان ثم أوضحه. وقرئ فأطلع بالنصب على جواب الترجي تشبيها للترجي بالتمني. ومثل ذلك التزيين وذلك الصد (زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل) والمزين إما الشيطان بوسوسته كقوله تعالى - وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل - أو الله تعالى على وجه التسبيب لأنه مكن الشيطان وأمهله ومثله - زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون - وقرئ " وزين له سوء عمله " على البناء للفاعل والفعل لله عز وجل دل عليه قوله - إلى إله موسى - صد بفتح الصاد وضمها وكسرها على نقل حركة العين إلى الفاء كما قيل. قيل والتباب: الخسران والهلاك، وصد مصدر معطوف على سوء عمله وصدوا هو وقومه. قال (أهدكم سبيل الرشاد) فأجمل لهم، ثم فسر فافتتح بذم الدنيا وتصغير شأنها لأن الإخلاد إليها هو أصل الشر كله، ومنه يتشعب جميع ما يؤدى إلى سخط الله ويجلب الشقاوة في العاقبة، وثنى بتعظيم الآخرة والاطلاع على حقيقتها وأنها هي الوطن والمستقر، وذكر الأعمال سيئها وحسنها وعاقبة كل منهما ليثبط عما يتلف وينشط لما يزلف. ثم وازن بين الدعوتين دعوته إلى دين الله الذي ثمرته النجاة ودعوتهم إلى اتخاذ الأنداد الذي عاقبته النار، وحذر وأنذر واجتهد في ذلك واحتشد، لاجرم أن الله استثناه من آل فرعون وجعله حجة عليهم وعبرة للمعتبرين وهو قوله تعالى - فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب - وفي هذا أيضا دليل بين على أن الرجل كان من آل فرعون. والرشاد نقيض الغى، وفيه تعريض شبيه بالتصريح أن ما عليه فرعون وقومه هو سبيل الغى (فلا يجزى إلا مثلها) لأن الزيادة على مقدار جزاء السيئة قبيحة لأنها ظلم، وأما الزيادة على مقدار جزاء الحسنة فحسنة لأنها فضل. قرئ يدخلون ويدخلون (بغير حساب) واقع في مقابلة إلا مثلها: يعنى أن جزاء السيئة له حساب وتقدير لئلا يزيد على الاستحقاق، فأما جزاء العمل الصالح فبغير تقدير
(٤٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 423 424 425 426 427 428 429 430 431 432 433 ... » »»