الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٠٣
* قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون * فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين * أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون * قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون * واتبعوا أحسن
____________________
في هذا التسبيب لطف وبيانه أنك تقول: زيد مؤمن بالله فإذا مسه ضر التجأ إليه، فهذا تسبيب ظاهر لا لبس فيه ثم تقول: زيد كافر بالله فإذا مسه ضر التجأ إليه، فتجئ بالفاء مجيئك به ثمة كأن الكافر حين التجأ إلى الله إلتجاء المؤمن إليه مقيم كفره مقام الإيمان ومجريه مجراه في جعله سببا في الالتجاء فأنت تحكى ما عكس فيه الكافر، ألا ترى أنك تقصد بهذا الكلام الإنكار والتعجب من فعله. الضمير في (قالها) راجع إلى قوله - إنما أوتيته على علم - لأنها كلمة أو جملة من القول. وقرئ قد قاله على معنى القول والكلام وذلك والذين من قبلهم هم قارون وقومه حيث قال: إنما أوتيته على علم عندي وقومه راضون بها فكأنهم قالوها. ويجوز أن يكون في الأمم الخالية آخرون قائلون مثلها (فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) من متاع الدنيا ويجمعون منه (من هؤلاء) من مشركي قومك (سيصيبهم) مثل ما أصاب أولئك فقتل صناديدهم ببدر وحبس عنهم الرزق فقحطوا سبع سنين، ثم بسط لهم فمطروا سبع سنين فقيل لهم (أولم يعلموا) أنه لا قابض ولا باسط إلا الله عز وجل (أسرفوا على أنفسهم) جنوا عليها بالإسراف في المعاصي والغلو فيها (لا تقنطوا) قرئ بفتح النون وكسرها وضمها (إن الله يغفر الذنوب جميعا) يعنى بشرط التوبة، وقد تكرر ذكر هذا الشرط في القرآن فكان ذكره فيما ذكر فيه ذكرا له فيما لم يذكر فيه، لأن القرآن في حكم كلام واحد ولا يجوز فيه التناقض. وفي قراءة ابن عباس وابن مسعود يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء والمراد بمن يشاء من تاب لأن مشيئة الله تابعة لحكمته وعدله لا لملكه وجبروته. وقيل في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وفاطمة رضي الله عنها يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي ونظير نفى المبالاة نفى الخوف في قوله تعالى - ولا يخاف عقباها - وقيل قال أهل مكة: يزعم محمد أن من عبد الأوثان وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر له فكيف ولم نهاجر وقد عبدنا الأوثان وقتلنا النفس التي حرم الله فنزلت. وروى أنه أسلم عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونفر معهما ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا، فكنا نقول: لا يقبل الله لهم صرفا ولا عدلا أبدا فنزلت، فكتب بها عمر رضي الله عنه إليهم فأسلموا وهاجروا. وقيل نزلت في وحشى قاتل حمزة رضي الله عنه. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية، فقال رجل: يا رسول الله ومن أشرك؟ فسكت ساعة ثم قال: ألا ومن أشرك ثلاث مرات " (وأنيبوا إلى ربكم) وتوبوا إليه (وأسلموا له) وأخلصوا له العمل وإنما ذكر الإنابة على آثر المغفرة لئلا يطمع طامع في حصولها بغير توبة وللدلالة على أنها شرط فيها لازم لا تحصل بدنه (واتبعوا أحسن
(٤٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 408 ... » »»