الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٩٩
ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد * ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام * ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون * قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون * من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم
____________________
الله بكاف نبيه أن يعصمه من كل سوء ويدفع عنه كل بلاء في مواطن الخوف؟ وفي هذا تهكم بهم لأنهم خوفوه مالا يقدر على نفع ولا ضر، أو أليس الله بكاف أنبياءه، ولقد قالت أممهم نحو ذلك فكفاهم الله ذلك وقول قوم هود - إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء - ويجوز أن يريد العبد والعباد على الإطلاق لأنه كافيهم في الشدائد وكافل مصالحهم. وقرئ بكافي عباده على الإضافة ويكافى عباده، ويكافى يحتمل أن يكون غير مهموز مفاعلة من الكفاية كقولك يجازى في يجزى وهو أبلغ من كفى لبنائه على لفظ المغالبة والمباراة، وأن يكون مهموزا من المكافأة وهى المجازاة لما تقدم من قوله - ويجزيهم أجرهم - (بالذين من دونه) أراد الأوثان التي اتخذوها آلهة من دونه (بعزيز) بغالب منيع (ذي انتقام) ينتقم من أعدائه، وفيه وعيد لقريش ووعد للمؤمنين بأنه ينتقم لهم منهم وينصرهم عليهم. قرئ - كاشفات ضره و- ممسكات رحمته - بالتنوين على الأصل وبالإضافة للتخفيف. فإن قلت:
لم فرض المسثلة في نفسه دونهم؟ قلت: لأنهم خوفوه معرة الأوثان وتخبيلها فأمر بأن يقررهم أولا بأن خالق العالم هو الله وحده ثم يقول لهم بعد التقرير: فإذا أرادني خالق العالم الذي أقررتم به بضر من مرض أو فقر أو غير ذلك من النوازل أو برحمته من صحة أو غنى أو نحوهما، هل هؤلاء اللاتي خوفتموني إياهن كاشفات عنى ضره أو ممسكات رحمته، حتى إذا ألقمهم الحجر وقطعهم حتى لا يحيروا ببنت شفة قال (حسبي الله) كافيا لمعرة أوثانكم (عليه يتوكل المتوكلون) وفيه تهكم. ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم فسكتوا فنزل - قل حسبي الله -. فإن قلت: لم قيل كاشفات وممسكات على التأنيث بعد قوله تعالى - ويخوفونك بالذين من دونه -؟ قلت: أنثهن وكن إناثا وهن اللات والعزى ومناة، قال الله تعالى - أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى - ليضعفها ويعجزها زيادة تضعيف وتعجيز عما طالبهم به من كشف الضر وإمساك الرحمة، لأن الأنوثة من باب اللين والرخاوة كما أن الذكورة من باب الشدة والصلابة كأنه قال: الإناث اللاتي هن اللات والعزى ومناة أضعف مما تدعون لهن وأعجز وفيه تهكم أيضا (على مكانتكم) على حالكم التي أنتم عليها وجهتكم من العدواة تمكنتم منها، والمكانة بمعنى المكان، فاستعيرت عن العين للمعنى كما يستعار هنا وحيث للزمان وهما للمكان.
فإن قلت: حق الكلام فإني عامل على مكانتي فلم حذف؟ قلت: للاختصار ولما فيه من زيادة الوعيد والإيذان بأن حاله لا تقف وتزداد كل يوم قوة وشدة، لأن الله ناصره ومعينه ومظهره على الدين كله، ألا ترى إلى قوله (فسوف تعلمون من يأتيه) كيف توعدهم بكونه منصورا عليهم غالبا عليهم في الدنيا والآخرة، لأنهم إذا أتاهم الخزي والعذاب فذاك عزه وغلبته من حيث إن الغلبة تتم له بعز عزيز من أوليائه وبذل ذليل من أعدائه (يخزيه)
(٣٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 404 ... » »»