الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٠١
* وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون * قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون * وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون * فإذا مس الانسان ضر دعانا
____________________
قلت: بما يليه معناه له ملك السماوات والأرض اليوم ثم إليه ترجعون يوم القيامة فلا يكون الملك في ذلك اليوم إلا له فله ملك الدنيا والآخرة. مدار المعنى على قوله وحده: أي إذا أفرد الله بالذكر ولم يذكر معه آلهتهم اشمأزوا: أي نفروا وانقبضوا (وإذا ذكر الذين من دونه) وهم آلهتهم ذكر الله معهم أو لم يذكر استبشروا لافتتانهم بها ونسيانهم حق الله إلى هواهم فيها. وقيل إذا قيل لا إله الا الله وحده لا شريك له نفروا لأن فيه نفيا لآلهتهم. وقيل أراد استبشارهم بما سبق إليه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذكر آلهتهم حين قرأ والنجم عند باب الكعبة فسجدوا معه لفرحهم، ولقد تقابل الاستبشار والاشمئزاز إذ كل واحد منهما غاية في بابه لأن الاستبشار أن يمتلئ قلبه سرورا حتى تنبسط له بشرة وجهه ويتهلل. والاشمئزاز: أن يمتلئ غما وغيظا حتى يظهر الانقباض في أديم وجهه. فإن قلت: ما العامل في إذا ذكر؟ قلت: العامل في إذا المفاجأة تقديره وقت ذكر الذين من دونه فاجأوا وقت الاستبشار. بعل 7 رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وبشدة شكيمتهم في الكفر والعناد فقيل له: ادع الله بأسمائه العظمى وقل أنت وحدك تقدر على الحكم بيني وبينهم ولا حيلة لغيرك فيهم. وقيه وصف لحالهم وإعذار لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسلية له ووعيد لهم. وعن الربيع بن خثيم وكان قليل الكلام أنه أخبر بقتل الحسين رضي الله عنه وسخط على قاتله وقالوا: الآن يتكلم فما زاد على أن قال آه، أوقد فعلوا وقرأ هذه الآية. وروى أنه قال قال على أثره: قتل من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسه في حجره ويضع فاه على فيه (وبدا لهم من الله) وعيد لهم لأكنه لفظاعته وشدته وهو نظير قوله تعالى في الوعد - فلا تعلم نفس ما أخفى لهم - والمعنى: وظهر لهم من سخط الله وعذابه ما لم يكن قط في حسابهم ولم يحدثوا به نفوسهم. وقيل عملوا أعمال حسبوها حسنات فإذا هي سيئات. وعن سفيان الثوري أنه قرأها فقال: ويل لأهل الرياء ويل لأهل الرياء، وجزع محمد بن المنكدر عند موته فقيل له فقال: أخشى آية من كتاب الله وتلاها، فأنا أخشى أن يبدو لي من الله ما لم أحتسبه (وبدا لهم سيئات ما كسبوا) أي سيئات أعمالهم التي كسبوها أو سيئات كسبهم حين تعرش صحائفهم وكانت خافية عليهم كقوله تعالى - أحصاه الله ونسوه - أو أراد بالسيئات أنواع العذاب التي يجازون بها على ما كسبوا فسماها سيئات كما قال - وجزاء سيئة سيئة مثلها - (وحاق بهم) ونزل بهم وأحاط جزاء هزئهم. التخويل مختص بالتفضل، يقال خولني إذا أعطاك
(٤٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 ... » »»