الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٩٤
غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد * ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب * أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين * الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها
____________________
وقوله أفأنت تنقذ يفيد أن الله تعالى هو الذي يقدر على الإنقاذ من النار وحده لا يقدر على ذلك أحد غيره، فكما لا تقدر أنت أن تنقذ الداخل في النار من النار لا تقدر أن تخلصه مما هو فيه من استحقاق العذاب بتحصيل الإيمان فيه (غرف من فوقها غرف) علالي بعضها فوق بعض. فإن قلت: ما معنى قوله (مبنية)؟ قلت: معناه والله أعلم أنها بنيت بناء المنازل التي على الأرض وسويت تسويتها (تجرى من تحتها الأنهار) كما تجرى من تحت المنازل من غير تفاوت بين العلو والسفل (وعد الله) مصدر مؤكد لأن قوله لهم غرف في معنى وعدهم الله ذلك (أنزل من السماء ماء) هو المطر، وقيل كل ماء في الأرض فهو من السماء ينزل منها إلى الصخرة ثم يقسمه الله (فسلكه) فأدخله ونظمه (ينابيع في الأرض) عيونا ومسالك ومجاري كالعروق في الأجساد (مختلفا ألوانه) هيئاته من خضرة وحمرة وصفرة وبياض وغير ذلك أو أصنافه من بر وشعير وسمسم وغيرها (يهيج) يتم جفافه. عن الأصمعي لأنه إذا تم جفافه حان له أن يثور عن منابته ويذهب (حطاما) فتاتا ودرينا (إن في ذلك لذكرى) لتذكيرا وتنبيها على أنه لابد من صانع حكيم، وأن ذلك كائن عن تقدير وتدبير لا عن تعطيل وإهمال. ويجوز أن يكون مثلا للدنيا كقوله تعالى - إنما مثل الحياة الدنيا - واضرب لهم مثل الحياة الدنيا - وقرئ مصفارا (أفمن) عرف الله أنه من أهل اللطف فلطف به حتى انشرح صدره للإسلام ورغب فيه وقبله كمن لالطف له فهو حرج الصدر قاسى القلب. ونور الله هو لطفه " وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقيل: يا رسول الله كيف انشراح الصدر؟ قال: إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح، فقيل: يا رسول الله فما علامة ذلك؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والتأهب للموت قبل نزول الموت " وهو نظير قوله - أمن هو قانت - في حذف الخبر (من ذكر الله) من أجل ذكره: أي إذا ذكر الله عندهم أو آياته اشمأزوا وازدادت قلوبهم قساوة كقوله تعالى - فزادتهم رجسا إلى رجسهم - وقرئ عن ذكر الله. فإن قلت: ما الفرق بين من وعن في هذا؟ قلت:
إذا قلت قسا قلبه من ذكر الله فالمعنى ما ذكرت من أن القسوة من أجل الذكر وبسببه، وإذا قلت عن ذكر الله فالمعنى غلظ عن قبول الذكر وجفا عنه، ونظيره سقاه من العيمة: أي من أجل عطشه، وسقاه عن العيمة: إذا أرواه حتى أبعده عن العطش. عن ابن مسعود رضي الله عنه " إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا له: حدثنا، فنزلت " وإيقاع اسم الله مبتدأ وبناء نزل عليه فيه تفخيم لأحسن الحديث ورفع منه واستشهاد على حسنه، وتأكيد لاستناده إلى الله وأنه من عنده، وأن مثله لا يجوز أن يصدر إلا عنه، وتنبيه على أنه وحى معجز مباين لسائر الأحاديث، و (كتابا) بدل من أحسن الحديث، ويحتمل أن يكون حالا منه (ومتشابها)
(٣٩٤)
مفاتيح البحث: الضلال (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 ... » »»