الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٩٣
أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب * أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار * لكن الذين اتقوا ربهم لهم
____________________
وفيها مبالغات وهى التسمية بالمصدر كأن عين الشيطان طغيان، وأن البناء بناء مبالغة، فإن الرحموت الرحمة الواسعة والملكوت الملك المبسوط والقلب، وهو للاختصاص إذ لا تطلق على غير الشيطان والمراد بها ههنا الجمع. وقرئ الطواغيت (أن يعبدوها) بدل من الطاغوت بدل الاشتمال (لهم البشرى) هي البشارة بالثواب كقوله تعالى - لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة - الله عز وجل يبشرهم بذلك في وحيه على ألسنة رسله وتتلقاهم الملائكة عند حضور الموت مبشرين وحين يحشرون، قال الله تعالى - يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات - وأراد بعباده (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) الذين اجتنبوا وأنابوا لاغيرهم، وإنما أراد بهم أن يكونوا مع الاجتناب والإنابة على هذه الصفة، فوضع الظاهر موضع الضمير، وأراد أن يكونوا نفادا في الدين يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل، فإذا اعترضهم أمران واجب وندب اختاروا الواجب، وكذلك المباح والندب حراصا على ما هو أقرب عند الله وأكثر ثوابا، ويدخل تحته المذاهب واختبار أثبتها على السبك وأقواها عند السبر وأبينها دليلا أو أمارة وأن لا تكون في مذهبك كما قال القائل:
* ولا تكن مثل عير قيد فانقادا * يريد المقلد. وقيل يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن. وقيل يستمعون أوامر الله فيتبعون أحسنها نحو القصاص والعفو والانتصار والإغضاء والإبداء والإخفاء لقوله تعالى - وأن تعفوا أقرب للتقوى - وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هو الرجل يجلس مع القوم فيسمع الحديث فيه محاسن ومساو فيحدث بأحسن ما سمع ويكف عما سواه، ومن الوقفة من يقف على - فبشر عبادي - ويبتدى: الذين يستمعون يرفعه على الابتداء وخبره (أولئك) أصل الكلام أمن حق عليه كلمة العذاب فأنت تنقذه جملة شرطية دخل عليها همزة الإنكار والفاء فاء الجزاء ثم دخلت الفاء التي في أولها للعطف على محذوف يدل عليه الخطاب تقديره: أأنت مالك أمرهم، فمن حق عليه العذاب فأنت تنقذه، والهمزة الثانية هي الأولى كررت لتوكيد معنى الإنكار والاستبعاد، ووضع من في النار موضع الضمير، فالآية على هذا جملة واحدة. ووجه آخر وهو أن تكون الآية جملتين أفمن حق عليه العذاب فأنت تخلصه؟ أفأنت تنقذ من في النار؟
وإنما جاز حذف فأنت تخلصه لأن أفأنت تنقذ يدل عليه. نزل استحقاقهم العذاب وهم في الدنيا منزلة دخولهم النار حتى نزل اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكده نفسه في دعائهم إلى الإيمان منزلة إنقاذهم من النار،
(٣٩٣)
مفاتيح البحث: العذاب، العذب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 ... » »»