الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٥٧
إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون فتول عنهم حتى حين وأبصرهم فسوف يبصرون أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين.
____________________
أول أمرهم وآخره، الكلمة قوله (إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون) وإنما سماها كلمة وهى كلمات عدة لأنها لما انتظمت في معنى واحد كانت في حكم كلمة مفردة. وقرئ كلماتنا والمراد الموعد بعلوهم على عدوهم في مقاوم الحجاج وملاحم القتال في الدنيا وعلوهم عليهم في الآخرة كما قال - والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة - ولا يلزم انهزامهم في بعض المشاهد وما جرى عليهم من القتل فإن الغلبة كانت لهم ولمن بعدهم في العاقبة، وكفى بمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين مثلا يحتذى عليها وعبرا يعتبر بها. وعن الحسن رحمه الله:
ما غلب نبي في حرب ولا قتل فيها، ولأن قاعدة أمرهم وأساسه والغالب منه الظفر والنصرة وإن وقع في تضاعيف ذلك شوب من الابتلاء والمحنة والحكم للغالب. وعن ابن عباس رضى الله نهما: إن لم ينصروا في الدنيا نصروا في الآخرة. وفي قراءة ابن مسعود على عبادنا على تضمين سبقت معنى حقت (فتول عنهم) فأعرض عنهم وأغض على أذاهم (حتى حين) إلى مدة يسيرة وهى مدة الكف عن القتال. وعن السدى إلى يوم بدر، وقيل الموت، وقيل إلى يوم القيامة (وأبصرهم) وما يقضى عليهم من الأسر والقتل والعذاب في الآخرة فسوف ينصرونك وما يقضى لك من النصرة والتأييد والثواب في العاقبة، والمراد بالأمر بإبصارهم على الحال المنتظرة الموعودة الدلالة على أنها كائنة واقعة لا محالة وأن كينونتها قريبة كأنها قدام ناظريك، وفي ذلك تسلية له وتنفيس عنه، وقوله (فسوف يبصرون) للوعيد كما سلف لا للتبعيد. مثل العذاب النازل بهم بعد ما أنذروه فأنكروه بجيش أنذر بهجومه قومه بعض نصاحهم فلم يلتفتوا إلى إنذاره ولا أخذوا أهبتهم: ولا دبروا أمرهم تدبيرا ينجيهم حتى أناخ بفنائهم بغتة فشن عليهم الغارة وقطع دابرهم، وكانت عادة مغاويرهم أن يغيروا صباحا فسميت الغارة صباحا وإن وقعت في وقت آخر. وما فصحت هذه الآية ولا كانت لها الروعة التي تحس بها ويروقك موردها على نفسك وطبعك إلا لمحبيئها على طريقة التمثيل. وقرأ ابن مسعود فبئس صباح. وقرئ نزل بساحتهم على إسناده إلى الجار والمجرور كقولك ذهب بزيد ونزل على ونزل العذاب، والمعنى: فساء صباح المنذرين صباحهم، واللام في المنذرين مبهم في جنس من أنذر والأن ساء وبئس يقتضيان ذلك. قيل هو نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بمكة.
وعن أنس رضي الله عنه " لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وكانوا خارجين إلى مزارعهم ومعهم المساحي قالوا محمد والخميس ورجعوا إلى حصنهم، فقال عليه الصلاة والسلام: الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ". وإنما ثنى (وتول عنهم) ليكون تسلية على تسلية وتأكيدا لوقوع الميعاد إلى تأكيد، وفيه فائدة زائدة وهى إطلاق الفعلين معا عن التقييد بالمفعول وأنه يبصروهم يبصرون ما لا يحيط به الذكر من صنوف المسرة وأنواع المساءة. وقيل أريد بأحدهما عذاب الدنيا وبالآخر عذاب الآخرة. أضيف الرب إلى العزة لاختصاصه بها كأنه قيل ذو العزة كما تقول صاحب صدق لاختصاصه بالصدق. ويجوز أن يراد أنه ما من عزة
(٣٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 ... » »»