الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٥٠
سلام على إبراهيم.
____________________
قميصي على أمي فافعل فإنه عسى أن يكون أسهل لها، فقال إبراهيم عليه السلام: نعم العون أنت يا بنى على أمر الله، ثم أقبل عليه يقبله وقد ربطه وهما يبكيان، ثم وضع السكين على حلقه فلم تعمل، لأن الله ضرب صفيحة من نحاس على حلقه، فقال له: كبنى على وجهي فإنك إذا نظرت وجهي رحمتني وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر الله، ففعل ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين ونودي: يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، فنظر فإذا جبريل عليه السلام معه كبش أقرن أملح، فكبر جبريل والكبش وإبراهيم وابنه وأتى المنحر من منى فذبحه. وقيل لما وصل موضع السجود منه إلى الأرض جاء الفرج، وقد استشهد أبو حنيفة رحمه الله بهذه الآية فيمن نذر ذبح ولده أنه يلزمه ذبح شاة. فإن قلت: من كان الذبيح من ولديه؟ قلت: قد اختلف فيه، فعن ابن عباس وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وجماعة من التابعين أنه إسماعيل، والحجة فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أنا ابن الذبيحين " وقال له أعرابي: يا ابن الذبيحين فتبسم، فسئل عن ذلك فقال: إن عبد المطلب لما حفر بئر زمزم نذر لله لئن سهل الله له أمرها ليذبحن أحد ولده، فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا له: افد ابنك بمائة من الإبل، ففداه بمائة من الإبل، والثاني إسماعيل. وعن محمد بن كعب القرظي قال: كان مجتهد بني إسرائيل يقول: إذا دعا اللهم إله إبراهيم وإسماعيل وإسرائيل فقال موسى عليه السلام: يا رب ما لمجتهد بني إسرائيل إذا دعا؟ قال: اللهم إله إبراهيم وإسماعيل وإسرائيل وأنا بين أظهرهم قد أسمعتني كلامك واصطفيتني برسالتك قال: يا موسى لم يحبني أحد حب إبراهيم قط، ولا خير بيني وبين شئ قط إلا اختارني، وأما إسماعيل فإنه جاد بدم نفسه، وأما إسرائيل فإنه لم ييس من روحي في شدة نزلت به قط. ويدل عليه أن الله تعالى لما أتم قصة الذبيح قال - وبشرناه بإسحق نبيا - وعن محمد بن كعب أنه قال لعمر بن عبد العزيز: هو إسماعيل، فقال عمر:
إن هذا شئ ما كنت أنظر فيه، وإني لأراه كما قلت، ثم أرسل إلى يهودي قد أسلم فسأله فقال: إن اليهود لتعلم أنه إسماعيل، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب. ويدل عليه أن قرني الكبش كانا منوطين في الكعبة في أيدي بنى إسماعيل إلى أن احترق البيت. وعن الأصمعي قال: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال: يا أصمعي أين عزب عنك عقلك ومتى كان إسحاق بمكة؟ وإنما كان إسماعيل بمكة وهو الذي بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة، ومما يدل عليه أن الله تعالى وصفه بالصبر دون أخيه إسحاق في قوله - وإسماعيل واليسع وذا الكفل كل من الصابرين - وهو صبره على الذبح، ووصفه بصدق الوعد في قوله - إنه كان صادق الوعد - لأنه وعد أباه الصبر من نفسه على الذبح فوفى به، ولأن الله بشره بإسحق وولده يعقوب في قوله - فضحكت فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحاق يعقوب - فلو كان الذبيح إسحاق لكان خلفا للموعد في يعقوب. وعن علي أبى طالب وابن مسعود والعباس وعطاء وعكرمة وجماعة من التابعين أنه إسحاق، والحجة فيه أن الله تعالى أخبر عن خليله إبراهيم حين هاجر إلى الشأم بأنه استوهبه ولدا ثم أتبع ذلك البشارة بغلام حليم، ثم ذكر رؤياه بذبح ذلك الغلام المبشر به، ويدل عليه كتاب يعقوب إلى يوسف من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله. فإن قلت: قد أوحى إلى إبراهيم صلوات الله عليه في المنام بأن يذبح ولده ولم يذبح، وقيل له قد صدقت الرؤيا وإنما كان يصدقها لو صح منه الذبح ولم
(٣٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 344 345 347 348 349 350 351 352 353 354 355 ... » »»