الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٥٦
وما منا إلا له مقام معلوم. وإنا لنحن الصافون. وإنا لنحن المسبحون. وإن كانوا ليقولون. لو أن عندنا ذكرا من الأولين. لكنا عباد الله المخلصين. فكفروا به فسوف يعلمون. ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين.
____________________
فإنك والكتاب إلى علي * كدابغة وقد حلم الأديم وقرأ الحسن صال الجحيم بضم اللام، وفيه ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون جمعا وسقوط واوه لالتقاء الساكنين هي ولام التعريف. فإن قلت: كيف استقام الجمع مع قوله من هو؟ قلت: من موحد اللفظ مجموع المعنى، فحمل هو على لفظه والصالون على معناه كما حمل في مواضع من التنزيل على لفظ من ومعناه في آية واحدة. والثاني أن يكون أصله صائل على القلب ثم يقال صال في صائل كقولهم شاك في شائك. والثالث أن تحذف لام صال تخفيفا ويجرى الإعراب على عينه كما حذف من قولهم ما باليت به بالة وأصلها بالية من بالى كعافية من عافى، ونظيره قراءة من قرأ - وجنى الجنتين دان - وله الجوار المنشئات - بإجراء الإعراب على العين (وما منا) أحد (إلا له مقام معلوم) فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه كقوله * أنا ابن جلا وطلاع الثنايا * * بكفى كان من أرمى البشر * مقام معلوم: مقام في العبادة والانتهاء إلى أمر الله مقصور عليه لا يتجاوزه كما روى " فمنهم راكع لا يقيم صلبه وساجد لا يرفع رأسه " (لنحن الصافون) نصف أقدامنا في الصلاة: أو أجنحتنا في الهواء منتظرين ما نؤمر. وقيل نصف أجنحتنا حول العرش داعين للمؤمنين. وقيل إن المسلمين إنما اصطفوا في الصلاة منذ نزلت هذه الآية وليس يصطف أحد من أهل الملل في صلاتهم غير المسلمين (المسبحون) المنزهون أو المصلون، والوجه أن يكون هذا وما قبله من قوله - سبحان الله عما يصفون - من كلام الملائكة حتى يتصل بذكرهم في قوله ولقد علمت الجنة كأنه قيل: ولقد علم الملائكة وشهدوا أن المشركين مفترون عليهم في مناسبة رب العزة وقالوا سبحان الله فنزهوه عن ذلك واستثنوا عباد الله المخلصين وبرؤوهم منه وقالوا للكفرة: فإذا صح ذلك فإنكم وآلهتكم لا تقدرون أن تفتنوا على الله أحدا من خلقه وتضلوه إلا من كان مثلكم ممن علم الله لكفرهم لا لتقديره وإرادته، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا أنهم من أهل النار، وكيف نكون مناسبين لرب العزة ويجمعنا وإياه جنسية واحدة وما نحن إلا عبيد أذلاء بين يديه، لكل منا مقام من الطاعة لا يستطيع أن يزل عنه ظفرا خشوعا لعظمته وتواضعا لجلاله، ونحن الصافون أقدامنا لعبادته أو أجنحتنا مذعنين خاضعين مسبحين ممجدين كما يجب على العباد لربهم، وقيل هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعنى وما من المسلمين أحدا إلا له مقام معلوم يوم القيامة على قدر عمله من قوله تعالى - عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا - ثم ذكر أعمالهم وأنهم هم الذين يصطفون في الصلاة ويسبحون الله وينزهونه مما يضيف إليه من لا يعرفه مما لا يجوز عليه هم مشركو قريش، كانوا يقولون (لو أن عندنا ذكرا) أي كتابا (من) كتب (الأولين) الذين نزل عليهم التوراة والإنجيل لأخلصنا العبادة لله ولما كذبنا كما كذبوا ولما خالفنا كما خالفوا، فجاءهم الذكر الذي هو سيد الأذكار والكتاب الذي هو معجز من بين الكتب فكفروا به ونحوه - فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا - (فسوف يعلمون) مغبة تكذيبهم وما يحل بهم من الانتقام.
وأن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة، وفي ذلك أنهم كانوا يقولونه مؤكدين للقول جادين فيه، فكم بين
(٣٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 ... » »»