الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٠١
* الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير * أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها
____________________
ما يدل على معاداته ومناصبته في سركم وجهركم. ثم لخص سر أمره وخطأ من اتبعه بأن غرضه الذي يؤمه في دعوة شيعته ومتبعي خطواته هو أن يوردهم مورد الشقوة والهلاك وأن يكونوا من أصحاب السعير. ثم كشف الغطاء وقشر اللحاء ليقطع الأطماع الفارغة والأماني الكاذبة فبنى الامر كله على الايمان والعمل وتركهما. لما ذكر الفريقين الذين كفروا والذين آمنوا قال لنبيه (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) يعني أفمن زين له سوء عمله من هذين الفريقين كمن لم يزين له، فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا، فقال (فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) ومعنى تزيين العمل والاضلال واحد، وهو أن يكون العاصي على صفة لا تجدى عليه المصالح حتى يستوجب بذلك خذلان الله تعالى وتخليته وشأنه، فعند ذلك يهيم في الضلال ويطلق آمر النهي ويعتنق طاعة الهوى حتى يستوجب بذلك خذلان الله تعالى وتخليته وشأنه، فعند ذلك يهيم في الضلال ويطلق آمر النهي ويعتنق طاعة الهوى حتى يرى القبيح حسنا والحسن قبيحا، كأنما غلب على عقله وسلب تمييزه، ويقعد تحت قول أبي نواس:
اسقني حتى تراني * حسنا عندي القبيح وإذا خذل خذل الله المصممين على الكفر وخلاهم وشأنهم فإن على الرسول أن لا يهيم بأمرهم ولا يلقى بالا إلى ذكرهم ولا يحزن ولا يتحسر عليهم اقتداء بسنة الله تعالى في خذلانهم وتخليتهم. وذكر الزجاج أن المعنى: أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليهم حسرة، فحذف الجواب لدلالة - فلا تذهب نفسك - عليه، أو أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله فحذف لدلالة - فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء - عليه حسرات مفعول له: يعني فلا تهلك نفسك للحسرات وعليهم صلة تذهب كما تقول هلك عليه حبا ومات عليه حزنا، أو هو بيان للمتحسر عليه، ولا يجوز أن يتعلق بحسرات لان المصدر لا يتقدم عليه صلته. ويجوز أن يكون حالا كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر كما قال جرير:
مشق الهواجر لحمهن مع السرى * حتى ذهبن كلاكل وصدورا يريد رجعن كلاكلا وصدورا: أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها، ومنه قوله:
فعلى إثرهم تساقط نفسي * حسرات وذكرهم لي سقام وقرئ فلا تذهب نفسك (إن الله عليم بما يصنعون) وعيد لهم بالعقاب على سوء صنيعهم. وقرئ أرسل الريح. فإن قلت: لم جاء فتثير على المضارعة دون ما قبله وما بعده؟ قلت: ليحكى الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب وتستحضر تلك الصور البديعة الدالة على القدرة الربانية، وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز
(٣٠١)
مفاتيح البحث: الضلال (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 ... » »»