الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٣١
ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد * وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم *
____________________
استوجبوا عندكم العبادة. ثم أضرب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالتورط في ضلال ليس بعده ضلال. هو لقمن بن باعورا ابن أخت أيوب أو ابن خالته. وقيل كان من أولاد آزر، وعاش ألف سنة وأدرك داود عليه السلام، وأخذ منه العلم وكان يفتى قبل مبعث داود عليه السلام، فلما بعث قطع الفتوى فقيل له، فقال: ألا أكتفي إذا كفيت؟ وقيل كن قاضيا في بني إسرائيل وأكثر الأقاويل أنه كان حكيما ولم يكن نبيا. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لقمان لم يكن نبيا ولا ملكا ولكن كان راعيا أسود فرزقه الله العتق ورضى قوله ووصيته، فقص أمره في القرآن لتمسكوا بوصيته. وقال عكرمة والشعبي: كان نبيا، وقيل خير بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة.
وعن ابن المسيب: كان أسود من سودان مصر خياطا. وعن مجاهد: كان عبدا أسود غليظ الشفتين متشقق القدمين. وقيل كان نجارا، وقيل كان راعيا، وقيل كان يحتطب لمولاه كل يوم حزمة. وعنه أنه قال لرجل ينظر إليه: إن كنت تراني غليظ الشفتين فإنه يخرج من بينهما كلام رقيق، وإن كنت تراني أسود فقلبي أبيض.
وروى أن رجلا وقف عليه في مجلسه فقال: ألست الذي ترعى معي في مكان كذا؟ قال بلى، قال: ما بلغ بك ما أرى؟ قال: صدق الحديث والصمت عما لا يعنيني. وروى أنه دخل على داود عليه السلام وهو يسرد الدرع وقد لين الله له الحديد كالطين فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة فسكت، فلما أتمها لبسها وقال: نعم لبوس الحرب أنت، فقال: الصمت حكمة وقليل فاعله، فقال له داود: بحق ما سميت حكيما. وروى أن مولاه أمره بذبح شاة وبأن يخرج منها أطيب مضغتين فأخرج اللسان والقلب، ثم أمره مثل ذلك بعد أيام وأن يخرج أخبث مضغتين فأخرج اللسان والقلب، فسأله عن ذلك فقال: هما أطيب ما فيها إذا طابا وأخبث ما فيها إذا خبثا. وعن سعيد بن المسيب أنه قال لأسود: لا تحزن فإنه كان من خير الناس ثلاثة من السودان بلال ومهجع مولى عمر ولقمان (أن) هي المفسرة لان إيتاء الحكمة في معنى القول، وقد نبه الله سبحانه على أن الحكمة الأصلية والعلم الحقيقي هو العمل بهما وعبادة الله والشكر له حيث فسر إيتاء الحكمة بالبعث عن الشكر (غنى) غير محتاج إلى الشكر (حميد) حقيق بأن يحمد وإن لم يحمده أحد. قيل كان اسم ابنه أنعم. وقال الكلبي: أشكم. وقيل كان ابنه وامرأته كافرين فما زال بهما حتى أسلما (لظلم عظيم) لأن التسوية بين من لا نعمة إلا هي منه ومن لا نعمة منه البتة ولا يتصور أن تكون منه ظلم
(٢٣١)
مفاتيح البحث: الشكر (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»