الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٢٩
ألم تلك آيات الكتاب الحكيم * هدى ورحمة للمحسنين * الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون *
____________________
(الكتاب الحكيم) ذي الحكمة أو وصف بصفة الله تعالى على الاسناد المجازي، ويجوز أن يكون الأصل الحكيم قائله فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فبانقلابه مرفوعا بعد الجر استكن في الصفة المشبهة (هدى ورحمة) بالنصب على الحال عن الآيات والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة، وبالرفع على أنه خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف (للمحسنين) للذين يعملون الحسنات وهي التي ذكرها من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والايقان بالآخرة، ونظيره قول أوس:
الألمعي الذي يظن بك الظنن * كأن قد رأى وقد سمعا حكى عن الأصمعي أنه سئل عن الألمعي فأنشده ولم يزد أو للذين يعملون جميع ما يحسن من الأعمال، ثم خص منهم القائمين بهذه الثلاث لفضل اعتداد بها. اللهو كل باطل ألهي عن الخير، وعما يعنى، و (لهو الحديث) نحو السمر بالأساطير والأحاديث التي لا أصل لها، والتحدث بالخرافات والمضاحيك وفضول الكلام وما لا ينبغي من كان وكان، ونحو الغناء وتعلم الموسيقار (1) وما أشبه ذلك. وقيل نزلت في النضر بن الحرث وكان يتجر إلى فارس فيشترى كتب الأعاجم فيحدث بها قريشا ويقول: إن كان محمد يحدثكم بحديث عاد وثمود فأنا أحدثكم بأحاديث رستم وبهرام والأكاسرة وملوك الحيرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن. وقيل كان يشترى المغنيات فلا يظفر بأحد يريد الاسلام إلا انطلق به إلى قينته فيقوم: أطعميه وأسقيه وغنيه ويقول: هذا خير مما يدعوك إليه محمد من الصلاة والصيام وأن تقاتل بين يديه. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن ولا التجارة فيهن ولا أثمانهن " وعنه صلى الله عليه وسلم " ما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والاخر على هذا المنكب، فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت " وقيل: الغناء منفدة للمال مسخطة للرب مفسدة للقلب. فإن قلت: ما معنى إضافة اللهو إلى الحديث؟ قلت: معناها التبيين وهي الإضافة بمعنى من وأن يضاف الشئ إلى ما هو منه كقولك صفة خز، وباب ساج، والمعنى: من يشترى اللهو من الحديث لان اللهو يكون من الحديث ومن غيره فبين بالحديث، والمراد بالحديث الحديث المنكر كما جاء في الحديث " الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش، ويجوز أن تكون الإضافة بمعنى من التبعيضية كأنه قيل: ومن الناس من يشترى بعض الحديث الذي هو اللهو منه.
وقوله يشترى، إما من الشراء على ما روى عن النضر من شراء كتب الأعاجم أو من شراء القيان، وإما من قوله - اشتروا الكفر بالإيمان - أي استبدلوه منه واختاروه عليه. وعن قتادة: اشتراؤه استحبابه، يختار حديث الباطل

(1) قوله الموسيقار في بعض الحواشي هو بالراء، العلم بصنعة آلة الغناء وبغير راء، صنعة الغناء ومعرفة النغم، وهي من الألفاظ اليونانية اه‍ كتبه مصححه.
(٢٢٩)
مفاتيح البحث: الزكاة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»