الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٢٠
من الأرض إذا أنتم تخرجون * وله من في السماوات والأرض كل له قانتون * وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه
____________________
دعوت كليبا دعوة فكأنما * دعوت به ابن الطود أو هو أسرع يريد بابن الطود الصدى أو الحجر إذا تدهدى، وإنما عطف هذا على قيام السماوات والأرض بثم بيانا لعظم ما يكون من ذلك الامر واقتداره على مثله، وهو أن يقول يا أهل القبور قوموا، فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر كما قال تعالى - ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون - قولك دعوته من مكان كذا كما يجوز أن يكون مكانك يجوز أن يكون مكان صاحبك، تقول: دعوت زيدا من أعلى الجبل فنزل علي ودعوته من أسفل الوادي فطلع إلي. فإن قلت: بم تعلق (من الأرض) أبا لفعل أم بالمصدر؟ قلت: هيهات. إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل.
فإن قلت: ما الفرق بين إذا وإذا؟ قلت: الأولى للشرط، والثانية للمفاجأة وهي تنوب مناب الفاء في جواب الشرط. وقرئ تخرجون بضم التاء وفتحها (قانتون) منقادون لوجود أفعاله فيهم لا يمتنعون عليه) وهو أهون عليه) فيما يجب عندكم وينقاس على أصولكم ويقتضيه معقولكم، لان من أعاد منكم صنعة شئ كانت أسهل عليه وأهون من إنشائها وتعتذرون للصانع إذا خطئ في بعض ما ينشئه بقولكم: أول الغزو أخرق، وتسمون الماهر في صناعته معاودا: تعنون أنه عاودها كرة بعد أخرى حتى مرن عليها وهانت عليه. فإن قلت: لم ذكر الضمير في قوله وهو أهون والمراد به الإعادة؟ قلت: معناه وأن يعيده أهون عليه. فإن قلت: لم أخرت الصلة في قوله - وهو أهون عليه - وقدمت في قوله - هو على هين -؟ قلت: هناك قصد الاختصاص وهو محزة فقيل هو على هين، وإن كان مستصعبا عندكم أن يولد بين هم وعاقر، وأما ها هنا فلا معنى للاختصاص، كيف والامر مبنى على ما يعقلون من أن الإعادة أسهل من الابتداء، فلو قدمت الصلة لتغير المعنى. فإن قلت: ما بال الإعادة استعظمت في قوله - ثم إذا دعاكم - حتى كأنها فضلت على قيام السماوات والأرض بأمره ثم هونت بعد ذلك؟ قلت: الإعادة في نفسها عظيمة ولكنها هونت بالقياس إلى الانشاء. وقيل الضمير في عليه للخلق، ومعناه أن البعث أهون على الخلق من الانشاء لان تكوينه في حد الاستحكام والتمام أهون عليه وأقل تعبا وكبدا، من أن يتنقل في أحوال ويتدرج فيها إلى أن يبلغ ذلك الحد، وقيل الاهون بمعنى الهين. ووجه آخر وهو أن الانشاء من قبيل التفضل الذي يتخير فيه
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»