الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٣٦
* ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد * ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم * ما خلقكم ولأبعثكم إلا كنفس واحدة
____________________
والثقل على المعذب (قل الحمد لله) إلزام لهم على إقرارهم بأن الذي خلق السماوات والأرض هو الله وحده، وأنه يجب أن يكون له الحمد والشكر وأن لا يعبد معه غيره، ثم قال (بل أكثرهم لا يعلمون) أن ذلك يلزمهم وإذا نبهوا عليه لم ينتبهوا (إن الله هو الغني) عن حمد الحامدين المستحق للحمد وإن لم يحمدوه. قرئ والبحر بالنصب عطفا على أسم أن وبالرفع عطفا على محل أن ومعمولها على معنى: ولو ثبت كون الأشجار أقلاما وثبت كون البحر ممدودا بسبعة أبحر. أو على الابتداء والواو للحال على معنى: ولو أن الأشجار أقلام في حال كون البحر ممدودا. وفي قراءة ابن مسعود وبحر يمده على التنكير، ويجب أن يحمل هذا على الوجه الأول. وقرئ يمده وبالتاء والياء. فإن قلت: كان مقتضى الكلام أن يقال ولو أن الشجر أقلام والبحر مداد. قلت: أغنى عن ذكر المداد قوله يمده لأنه من قولك مد الدواة وأمدها، جعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة وجعل الأبحر السبعة مملوءة مدادا فهي تصب فيه مدادها أبدا صبا لا ينقطع، والمعنى: ولو أن أشجار الأرض أقلام والبحر ممدود بسبعة أبحر وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله لما نفدت كلماته ونفدت الأقلام والمداد كقوله تعالى - قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي - فإن قلت: زعمت أن قوله والبحر يمده حال في أحدى وجهي الرفع وليس فيه ضمير راجع إلى ذي الحال. قلت: هو كقوله * وقد أغتدى والطير في وكناتها * وجئت والجيش مصطف وما أشبه ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظروف، ويجوز أن يكون المعنى وبحرها والضمير للأرض. فإن قلت: لم قيل من شجرة على التوحيد دون اسم الجنس الذي هو شجر؟ قلت: أريد تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر ولا واحدة إلا قد بريت أقلاما. فإن قلت:
الكلمات جمع قلة والموضع موضع التكثير لا التقليل فهلا قيل كلم الله؟ قلت: معناه أن كلماته لا تفي بكتبتها البحار فكيف بكلمة. وعن أبن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت جوابا لليهود لما قالوا قد أوتينا التوراة وفيها كل الحكمة.
وقيل إن المشركين قالوا: إن هذا يعنون الوحي كلام سينفد، فأعلم الله أن كلامه لا ينفد. وهذه الآية عند بعضهم مدنية وأنها نزلت بعد الهجرة، وقيل هي مكية، وإنما أمر اليهود وفد قريش أن يقولوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألست تتلو فيما أنزل عليك أنا قد أوتينا التوراة وفيها علم كل شئ (إلا كنفس واحدة) إلا كخلقها وبعثها: أي سواء
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»