الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٢٧
من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير * ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون * وقال الذين أوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون * فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون
____________________
والشبيبة، وتلك حال القوة إلى الاكتهال وبلوغ الأشد، ثم رددتم إلى أصل حالكم وهو الضعف بالشيخوخة والهرم. وقيل من ضعف من النطف كقوله تعالى - من ماء مهين - وهذا الترديد في الأحوال المختلفة والتغيير من هيئة إلى هيئة وصفة إلى صفة أظهر دليل وأعدل شاهد على الصانع العلم القادر (الساعة) القيامة سميت بذلك لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا، أو لأنها تقع بغتة وبديهة كما تقول في ساعة لمن تستعجله وجزت علما لها كالنجم للثريا والكوكب للزهرة. وأرادوا لبثهم في الدنيا، أو في القبور، أو فيما بين فناء الدنيا إلى البعث، وفي الحديث " ما بين فناء الدنيا إلى وقت البعث أربعون " قالوا: لا نعلم، أهي أربعون سنة أم أربعون ألف سنة، وذلك وقت يفنون فه وينقطع عذابهم، وإنما يقدرون وقت لبثهم بذلك على وجه استقصارهم له أو ينسون أو يكذبون أو يخمنون (كذلك كانوا يؤفكون) أي مثل ذلك كانوا يصرفون عن الصدق والتحقيق في الدنيا، وهكذا كانوا يبنون أمرهم على خلاف الحق، أو مثل الإفك كانوا يؤفكون في الاغترار بما تبين لهم الان أنه ما كان الا ساعة القائلون هم الملائكة والأنبياء والمؤمنون (في كتاب الله) في اللوح أو في علم الله وقضائه، أو فيما كتبه: أي أوجبه بحكمته ردوا ما قالوه، وحلفوا عليه وأطلعوهم على الحقيقة. ثم وصلوا ذلك بتقريعهم على إنكار البعث بقولهم (فهذا يوم البعث ولكنكم لا تعلمون) أنه حق لتفريطكم في طلب الحق واتباعه. فإن قلت: ما هذه الفاء وما حقيقتها؟ قلت: هي التي في قوله * فقد جئنا خراسانا * وحقيقتها أنها جواب شرط يدل عليه الكلام كأنه قال: إن صح ما قلتم من أن خراسان أقصى ما يراد بنا فقد جئنا خراسان وآن لنا أن نخلص، وكذلك إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث: أي فقد تبين بطلان قولكم، وقرأ الحسن يوم البعث بالتحريك (لا ينفع) قرئ بالياء والتاء (يستعتبون) من قولك استعتبني فلان فأعتبته: أي استرضاني فأرضيته، وذلك إذا كنت جانبا عليه وحقيقة أعتبته أزلت عتبه، ألا ترى إلى قوله:
غضبت تميم أن تقتل عامر * يوم النسار فأعتبوا بالصيلم كيف جعلهم غضابا ثم قال فأعتبوا: أي أزيل غضبهم، والغضب في معنى العتب، والمعنى: لا يقال لهم ارضوا ربكم بتوبة وطاعة، ومثله قوله تعالى - لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون - فإن قلت: كيف جعلوا غير مستعتبين في بعض الآيات، وغير معتبين في بعضها وهو قوله - وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين -؟ قلت: أما كونهم غير مستعتبين فهذا معناه، وأما كونهم غير معتبين فمعناه أنهم غير راضين بما هم فيه، فشبهت حالهم بحال قوم جنى عليهم فهم عاتبون على الجاني غير راضين عنه، فإن يستعتبوا الله: أي يسألوه إزالة ما هم فيه فما هم من المجابين
(٢٢٧)
مفاتيح البحث: البعث، الإنبعاث (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 ... » »»