الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٠٤
النار وما لكم من ناصرين فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين * أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين * قال رب انصرني على القوم المفسدين
____________________
العبدة والأصنام كقوله تعالى - ويكون عليهم ضدا - كان لوط ابن أخت إبراهيم عليهما السلام وهو أول من آمن له حين رأى النار لم تحرقه (وقال) يعني إبراهيم (إني مهاجر) من كوثى وهي من سواد الكوفة إلى حران ثم منها إلى فلسطين، ومن ثمة قالوا لكل نبي هجرة ولإبراهيم هجرتان، وكان معه في هجرته لوط وامرأته سارة وهاجر وهو ابن خمس وسبعين سنة (إلى ربي) إلى حيث أمرني بالهجرة إليه (إنه هو العزيز) الذي يمنعني من أعدائي (الحكيم) الذي لا يأمرني إلا بما هو مصلحتي (أجره) الثناء الحسن والصلاة عليه آخر الدهر والذرية الطيبة والنبوة، وأن أهل الملل كلهم يتولونه. فإن قلت: ما بال إسماعيل عليه السلام لم يذكر وذكر إسحاق وعقبه؟ قلت: قد دل عليه في قوله - وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب - وكفى الدليل لشهرة أمره وعلو قدره. فإن قلت: ما المراد بالكتاب؟ قلت: قصد به جنس الكتاب حتى دخل تحته ما نزل على ذريته من الكتب الأربعة التي هي التوراة والزبور والإنجيل والقرآن (ولوطا) معطوف على إبراهيم أو على ما عطف عليه، و (الفاحشة) الفعلية البالغة في القبح و (ما سبقكم بها من أحد من العالمين) جملة مستأنفة مقررة لفاحشة تلك الفعلة، كأن قائلا قال: لم كانت فاحشة، فقيل له: لان أحدا قبلهم لم يقدم عليها اشمئزازا منها في طباعهم لافراط قبحها حتى أقدم عليها قوم لوط الخبث طينتهم وقذر طباعهم، قالوا: لم ينزل ذكرا على ذكر على قوم لوط قط. وقرئ أنكم بغير استفهام في الأول دون الثاني. قال أبو عبيد: وجدته في الامام بحرف واحد بغير ياء، ورأيت الثاني بحرفين الياء والنون. وقطع السبيل: عمل قطاع الطريق من قتل الأنفس وأخذ الأموال، وقيل اعتراضهم السابلة بالفاحشة. وعن الحسن:
قطع النسل بإتيان ما ليس بحرث، و (المنكر) عن ابن عباس رضي الله عنهما: هو الحذف بالحصى والرمي بالبنادق والفرقعة ومضغ العلك والسواك بين الناس وحل الأزرار والسباب والفحش في المزاح. وعن عائشة رضي الله عنها: كانوا يتحابقون، وقيل السخرية بمن مر بهم، وقيل المجاهرة في ناديهم بذلك العمل وكل معصية فإظهارها أقبح من سترها ولذلك جاء " من خرق جلباب الحياء فلا غيبة له " ولا يقال للمجلس ناد إلا ما دام فيه أهله، فإذا قاموا عنه لم يبق ناديا (إن كنت من الصادقين) فيما تعدنا به من نزول العذاب. كانوا يفسدون الناس بحملهم على ما كانوا عليه من المعاصي والفواحش طوعا وكرها، ولأنهم ابتدعوا الفاحشة وسنوها فيمن بعدهم، وقال الله تعالى - الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون - فأراد لوط عليه السلام أن
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»