الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٠٣
تقلبون * وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم
____________________
المشيئتين مفسر مبين في مواضع من القرآن وهو من يستوجبهما من الكافر والفاسق إذا لم يتوبا ومن المعصوم والتائب (تقلبون) تردون وترجعون (وما أنتم بمعجزين) ربكم: أي لا تفوتونه إن هربتم من حكمه وقضائه (في الأرض) الفسيحة (ولا في السماء) التي هي أفسح منها وأبسط لو كنتم فيها كقوله تعالى - إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا - وقيل ولا من في السماء كما قال حسان رضي الله عنه:
أمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء ويحتمل أن يراد: لا تعجزونه كيفما هبطتم في مهاوي الأرض وأعماقها، أو علوتم في البروج والقلاع الذاهبة في السماء كقوله تعالى - ولو كنتم في بروج مشيدة - أو لا تعجزون أمره الجاري في السماء والأرض أن يجري عليكم فيصيبكم ببلاء يظهر من الأرض أو ينزل من السماء (بآيات الله) بدلائله على وحدانيته وكتبه ومعجزاته ولقائه والبعث (يئسوا من رحمتي) وعيد: أي ييأسون يوم القيامة كقوله تعالى - ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون - أو هو وصف لحالهم لان المؤمن إنما يكون راجيا خاشيا، فأما الكافر فلا يخطر بباله رجاء ولا خوف، أو شبه حالهم في انتفاء الرحمة عنهم بحال من يئس من الرحمة. وعن قتادة رضي الله عنه: إن الله ذم قوما هانوا عليه فقال - أولئك يئسوا من رحمتي - وقال - إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون - فينبغي للمؤمن أن لا ييأس من روح الله ولا من رحمته وأن لا يأمن عذابه وعقابه، صفة المؤمن أن يكون راجيا لله عز وجل خائفا. قرئ (جواب قومه) بالنصب والرفع (قالوا) قال بعضهم لبعض، أو قاله واحد منهم وكان الباقون راضين فكانوا جميعا في حكم القائلين.
وروى أنه لم ينتفع في ذلك اليوم بالنار: نعني يوم ألقى إبراهيم في النار وذلك لذهاب حرها. قرئ على النصب بغير إضافة وبإضافة وعلى الرفع كذلك، فالنصب على وجهين: على التعليل، أي لتتوادوا بينكم وتتوصلوا لاجتماعكم على عبادتها واتفاقكم عليها وائتلافكم كما يتفق الناس على مذهب فيكون ذلك سبب تحابهم وتصادقهم، وأن يكون مفعولا ثانيا كقوله - اتخذ إله هواه - أي اتخذتم الأوثان سبب المودة بينكم على تقدير حذف المضاف، أو اتخذتموها مودة بينكم بمعنى مودودة بينكم كقوله تعالى - ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله - وفي الرفع وجهان: أن يكون خبرا لان على أن ما موصولة، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف، والمعنى: أن الأوثان مودة بينكم: أي ودودة أو سبب مودة. وعن عاصم: مودة بينكم بفتح بينكم مع الإضافة كما قرئ - لقد تقطع بينكم - ففتح وهو فاعل. وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه: أوثانا إنما مودة بينكم في الحياة الدنيا: أي إنما تتوادون عليها أو تودونها في الحياة الدنيا (ثم يوم القيامة) يقوم بينكم التلاعن والتباغض والتعادي، يتلاعن العبدة ويتلاعن
(٢٠٣)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»