الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٠٩
بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون * وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين * أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والأرض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون
____________________
كان أشد لاثباتك أنه تولى كتبته فكذلك النفي (بل) القرآن (آيات بينات في صدور) العلماء به وحفاظه وهما من خصائص القرآن كون آياته بينات الاعجاز وكونه محفوضا في الصدور يتلوه أكثر الأمة ظاهرا، بخلاف سائر الكتب فإنها لم تكن معجزات وما كانت تقرأ إلا من المصاحف، ومنه ما جاء في صفة هذه الأمة " صدورهم أناجيلهم " (وما يجحد) بآيات الله الواضحة إلا المتوغلون في الظلم المكابرون. قرئ آية وآيات، أرادوا هلا أنزل عليه آية مثل ناقة صالح ومائدة عيسى عليهما السلام ونحو ذلك (إنما الآيات عند الله) ينزل أيتها شاء، ولو شاء أن ينزل ما تقترحونه لفعل (وإنما أنا نذير) كلفت الانذار وإبانته بما أعطيت من الآيات وليس لي أن أتخير على الله آياته فأقول: أنزل على آية كذا دون كذا، مع علمي أن الغرض من الآية ثبوت الدلالة والآيات كلها في حكم آية واحدة في ذلك، ثم قال (أو لم يكفهم) آية مغنية عن سائر الآيات إن كانوا طالبين للحق غير متعنتين هذا القرآن الذي تدوم تلاوته عليهم في كل مكان وزمان، فلا يزال معهم آية ثابتة لا تزول ولا تضمحل كما تزول كل آية بعد كونها وتكون في مكان دون مكان. إن في مثل هذه الآية الموجودة في كل مكان وزمان إلى آخر الدهر (لرحمة) لنعمة عظيمة لاتشكر، وتذكرة (لقوم يؤمنون) وقيل أو لم يكفهم: يعني اليهود أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم بتحقيق ما في أيديهم من نعتك ونعت دينك. وقيل " إن ناسا من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتف قد كتبوا فيها بعض ما يقول اليهود، فلما أن نظر إليها ألقاها وقال كفى بها حماقة قوم أو ضلالة قوم أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء به غير نبيهم فنزلت " والوجه ما ذكرناه (كفى بالله بيني وبينكم شهيدا) أني قد بلغتكم ما أرسلت به إليكم وأنذرتكم وأنكم قابلتموني بالجحد والتكذيب (يعلم ما في السماوات والأرض) فهو مطلع على أمري وأمركم وعالم بحقي وباطلكم (والذين آمنوا بالباطل) منكم وهو ما تعبدون من دون الله (وكفروا بالله) وآياته (أولئك هم الخاسرون) المغبونون في صفقهم حيث اشتروا الكفر بالايمان إلا أن الكلام ورد مورد الانصاف كقوله - وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين - وقول حسان * فشركما لخيركما الفداء * وروى أن كعب بن الأشرف وأصحابه قالوا: يا محمد من يشهد لك بأنك رسول الله؟ فنزلت. كان استعجال العذاب استهزاء منهم وتكذيبا، والنضر بن الحرث هو الذي قال: اللهم أمطر علينا حجارة من السماء كما قال أصحاب الأيكة - فأسقط علينا كسفا من السماء - (ولولا أجل) قد سماه الله وبينه في اللوح لعذابهم وأوجبت الحكمة تأخيره إلى ذلك الاجل المسمى (لجاءهم العذاب) عاجلا، والمراد بالأجل الآخرة لما روى " أن الله تعالى وعد رسول الله صلى
(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»