الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٠٢
أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير * قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شئ قدير * يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه
____________________
يروا بالياء والتاء ويبدئ ويبدأ، وقوله (ثم يعيده) ليس بمعطوف على يبدئ وليست الرؤية واقعة عليه، وإنما هو إخبار على حياله بالإعادة بعد الموت كما وقع النظر في قوله تعالى - فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة - على البدء دون الانشاء ونحوه قولك: ما زلت أوثر فلانا وأستخلفه على من أخلفه. فإن قلت: هو معطوف بحرف العطف فلابد له من معطوف عليه فما هو؟ قلت: هو جملة قوله - أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق - وكذلك واستخلفه معطوف على جملة قوله ما زلت أوثر فلانا (ذلك) يرجع إلى ما يرجع إليه هو في قوله - وهو أهون عليه - من معنى يعيد. دل بقوله (النشأة الآخرة) على أنهما نشأتان وأن كل واحدة منهما إنشاء: أي ابتداء واختراع وإخراج من العدم إلى الوجود لا تفاوت بينهما، إلا أن الآخرة إنشاء بعد إنشاء مثله والأولى ليست كذلك.
وقرئ النشأة والنساءة كالرأفة والرآفة. فإن قلت: ما معنى الافصاح باسمه مع إيقاعه مبتدأ في قوله - ثم الله ينشئ النشأة الآخرة - بعد إضماره في قوله - كيف بدأ الخلق - وكان القياس أن يقال: كيف بدأ الله الخلق ثم ينشئ النشأة الآخرة؟ قلت: الكلام معهم كان واقعا في الإعادة وفيها كانت تصطك الركب، فلما قررهم في الابداء بأنه من الله احتج عليهم بأن الإعادة إنشاء مثل الابداء، فإذا كان الله الذي لا يعجزه شئ هو الذي لم يعجزه الابداء فهو الذي وجب أن لا تعجزه الإعادة، فكأنه قال: ثم ذاك الذي أنشأ النشأة الأولى هو الذي ينشئ النشأة الآخرة، فللدلالة والتنبيه على هذا المعنى أبرز اسمه وأوقعه مبتدأ (يعذب من يشاء) تعذيبه (ويرحم من يشاء) رحمته ومتعلق
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»