الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٦٨
فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون. ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين.
ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين.
____________________
فقالت: إنما أردت وهم للملك ناصحون، والنصح: إخلاص العمل من شائب الفساد، فانطلقت إلى أمها بأمرهم فجاءت بها والصبي على يد فرعون يعلله شفقة عليه وهو يبكى يطلب الرضاع، فحين وجد ريحها استأنس والتقم ثديها، فقال لها فرعون: ومن أنت منه فقد أبى كل ثدي إلا ثديك، قالت: إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أوتى بصبى إلا قبلني، فدفعه إليها وأجرى عليها وذهبت به إلى بيتها وأنجز الله وعده في الرد فعندها ثبت واستقر في علمها أن سيكون نبيا وذلك قوله (ولتعلم أن وعد الله حق) يريد وليثبت علمها ويتمكن. فإن قلت:
كيف حل لها أن تأخذ الأجر على إرضاع ولدها؟ قلت: ما كانت تأخذه على أنه أجر على الرضاع ولكنه مال حربي كانت تأخذه على وجه الاستباحة، قوله (ولكن أكثرهم لا يعلمون) داخل تحت علمها، المعنى: لتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثر الناس لا يعلمون أنه حق فيرتابون، ويشبه التعريض بما فرط منها حين سمعت بخبر موسى فجزعت وأصبح فؤادها فارغا. يروى أنها حين ألقت التابوت في اليم جاءها الشيطان فقال لها: يا أم موسى كرهت أن يقتل فرعون موسى فتؤجري ثم ذهبت فتوليت قتله، فلما أتاها الخبر بأن فرعون أصابه قالت: وقع في يد العدو. فنسيت وعد الله. ويجوز أن يتعلق ولكن بقوله ولتعلم، ومعناه: أن الرد إنما كان لهذا الغرض الديني وهو علمها بصدق وعد الله، ولكن الأكثر لا يعلمون بأن هذا هو الغرض الأصلي الذي ما سواه تبع له من قرة العين وذهاب الحزن (واستوى) واعتدل وتم استحكامه وبلغ المبلغ الذي لا يراد عليه كما قال لقيط:
واستحملوا أمركم الله ردكمو * شزر المريرة لا قحما ولا ضرعا وذلك أربعون سنة. ويروى أنه لم يبعث نبي لا على رأس أربعين سنة. العلم: التوراة، والحكم: السنة، وحكمة الأنبياء سنتهم قال الله تعالى - واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة - وقيل معناه: آتيناه سيرة الحكماء العلماء وسمتهم قبل البعث فكان لا يفعل فعلا يستجهل فيه المدينة مصر، وقيل مدينة منف من أرض مصر. وحين غفلتهم ما بين العشاءين وقيل وقت القائلة، وقيل يوم عيد لهم هم مشتغلون فيه بلهوهم، وقيل لما شب وعقل أخذ يتكلم بالحق وينكر عليهم فأخافوه فلا يدخل قرية إلا على تغفل. وقرأ سيبويه فاستعانه (من شيعته) ممن شايعه على دينه من بني إسرائيل، وقيل هو السامري (من عدوه) من مخالفيه من القبط وهو فاتون، وكان يتسخر الإسرائيلي لحمل الحطب إلى مطبخ فرعون. والوكز الدفع بأطراف الأصابع، وقيل يجمع الكف، وقرأ ابن مسعود فلكزه باللام (فقضى عليه) فقتله. فإن قلت: لم جعل قتل الكافر من عمل الشيطان وسماه ظلما لنفسه واستغفر منه؟
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»