الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٦٦
فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين. وقالت امرأة فرعون قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه
____________________
وسرورا وهو رده إليها وجعله من المرسلين. وروى أنه ذبح في طلب موسى عليه السلام تسعون ألف وليدة.
وروى أنها حين أقربت وضربها الطلق وكانت بعض القوابل الموكلات بحبالى بني إسرائيل مصافية لها فقالت لها:
لينفعني حبك اليوم فعالجتها، فلما وقع إلى الأرض هالها نور بين عينيه وارتعش كل مفصل منها ودخل حبه قلبها ثم قالت: ما جئتك إلا لأقبل مولودك وأخبر فرعون، ولكني وجدت لابنك حبا ما وجدت مثله فأحفظيه، فلما خرجت جاء عيون فرعون فلفته في خرقة ووضعته في تنور مسجور لم تعلم ما تصنع لما طاش من عقلها، فطلبوا فلم يجدوا شيئا، فخرجوا وهى لا تدرى مكانه، فسمعت بكاءه من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله النار عليه بردا وسلاما، فلم ألح فرعون في طلب الولدان أوحى الله إليها فألقته في اليم. وقد روى أنها أرضعته ثلاثة أشهر في تابوت من بردى مطلى بالقار من داخله. اللام في (ليكون) هي لام كي التي معناها التعليل كقولك جئتك لتكرمني سواء بسواء، ولكن معنى التعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة لأنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوا وحزنا ولكن المحبة والتبني، غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته شبه بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله وهو الإكرام الذي هو نتيجة المجئ. والتأدب الذي هو ثمرة الضرب في قولك ضربته ليتأدب، وتحريره أن هذه اللام حكمها حكم الأسد حيث استعيرت لما يشبه التعليل كما يستعار الأسد لما يشبه الأسد، وقرئ وحزنا وهما لغتان كالعدم والعدم (كانوا خائطين) في كل شئ فليس خطؤهم في تربية عدوهم ببدع منهم أو كانوا مذنبين مجرمين، فعاقبهم الله بأن ربى عدوهم ومن هو سبب هلاكهم على أيديهم، وقرئ خاطين تخفيف خاطئين أو خاطين الصواب إلى الخطأ. روى أنهم حين التقطوا التابوت عالجوا فتحه فلم يقدروا عليه، فعالجوا كسره فأعياهم، فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا، فعالجته ففتحته فإذا بصبى نوره بين عينيه وهو يمص إبهامه لبنا فأحبوه، وكانت لفرعون بنت برصاء وقالت له الأطباء: لا تبرأ إلا من قبل البحر يوجد فيه شبه إنسان دواؤها ريقه، فلطخت البرصاء برصها بريقة فبرأت. وقيل لما نظرت إلى وجهه برأت فقالت: إن هذه لنسمة مباركة، فهذا أحد ما عطفهم عليه، فقال الغواة من قومه: هو الصبى الذي نحذر منه فأذن لنا في قتله، فهم بذلك فقالت آسية (قرة عين لي ولك) فقال فرعون: لك لإلى. وروى في حديث " لو قال هو قرة عين لي كما هو لك لهداه الله كما هداها " وهذا على سبيل الفرض والتقدير: أي لو كان غير مطبوع على قلبه كآسية لقال مثل قولها ولأسلم كما أسلمت، هذا إن صح الحديث تأويله والله أعلم بصحته. وروى أنها قالت له: لعله من قوم آخرين ليس من بني إسرائيل. قرة عين خبر مبتدأ محذوف، ولا يقوى أن تجعله مبتدأ ولا تقتلوه خبرا ولو نصب لكان أقوى. وقراءة ابن مسعود رضي الله عنه دليل على أنه خبر قرأ لا تقتلوه قرة عين لي ولك بتقديم لا تقتلوه (عسى أن ينفعنا) فإن فيه مخايل اليمن ودلائل النفع لأهله وذلك لما عاينت من النور وارتضاع الإيهام ونمرء البرصاء، ولعلها توسمت في سيماه النجابة المؤذنة بكونه تفاعا، أو نتبناه فإنه أهل للتبني، ولأن يكون ولدا
(١٦٦)
مفاتيح البحث: آل فرعون (1)، القتل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»