____________________
منها عمون - يريد المشركين ممن في السماوات والأرض، لأنهم لما كانوا في جملتهم نسب فعلهم إلى الجميع كما يقال بنو فلان فعلوا كذا وإنما فعله ناس منهم. فإن قلت: إن الآية سيقت لاختصاص الله بعلم الغيب، وأن العباد لا علم لهم بشئ منه، وأن وقت بعثهم ونشورهم من جملة الغيب وهم لا يشعرون به، فكيف لاءم هذا المعنى وصف المشركين بإنكارهم البعث مع استحكام أسباب العلم والتمكن من المعرفة؟ قلت: لما ذكر أن العباد لا يعلمون الغيب ولا يشعرون بالبعث الكائن ووقته الذين يكون فيه، وكان هذا بيانا لعجزهم ووصفا لقصور علمهم، وصل به أن عندهم عجزا أبلغ منه وهو أنهم يقولون للكائن الذي لا بد أن يكون وهو وقت جزاء أعمالهم لا يكون مع أن عندهم أسباب معرفة كونه واستحكام العلم به. والوجه الثاني أن وصفهم باستحكام العلم وتكامله تهكم بهم، كما تقول لأجهل الناس: ما أعلمك على سبيل الهزوء، وذلك حيث شكوا وعموا عن إثباته الذي الطريق إلى علمه مسلوك فضلا أن يعرفوا وقت كونه الذي لا طريق إلى معرفته، وفى أدرك علمهم وادارك علمهم وجه آخر وهو أن يكون أدرك بمعنى انتهى وفنى من قولك أدركت الثمرة لأن تلك غايتها التي عندها تعدم. وقد فسره الحسن رضي الله عنه بأضمحل علمهم، وتدارك من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك. فإن قلت: فما وجه قراءة من قرأ بل أأدرك على الاستفهام؟ قلت: هو استفهام على وجه الإنكار لإدراك علمهم، وكذلك من قرأ أم أدرك وأم تدارك لأنها أم التي بمعنى بل والهمزة. فإن قلت: فمن قرأ بلى أدرك وبلى أأدرك؟ قلت: لما جاء ببلى بعد قوله - وما يشعرون - كان معناه: بلى يشعرون، ثم فسر الشعور بقوله أدرك علمهم في الآخرة على سبيل التهكم الذي معناه المبالغة في نفى العلم فكأنه قال: شعورهم بوقت الآخرة أنهم لا يعلمون كونها، فيرجع إلى نفى الشعور على أبلغ ما يكون. وأما من قرأ بلى أأدرك على الاستفهام فمعناه: بلى يشعرون متى يبعثون ثم أنكر علمهم بكونها، وإذا أنكر علمهم بكونها لم يتحصل لهم شعور بوقت كونها لأن العلم بوقت الكائن تابع للعلم بكون الكائن (في الآخرة) في شأن الآخرة ومعناها. فإن قلت: هذه الإضرابات الثلاث ما معناها. قلت: ما هي إلا تنزيل لأحوالهم ووصفهم أو لا بأنهم لا يشعرون وقت البعث، ثم بأنهم لا يعلمون أن القيامة كائنة، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية فلا يزيلونه والإزالة مستطاعة، ألا ترى أن من لم يسمع اختلاف المذاهب وتضليل أربابها بعضهم لبعض كان أمره أهون ممن سمع بها وهو جاثم لا يشخص به طلب التمييز بين الحق والباطل، ثم بما هو أسوأ حالا وهو العمى، وأن يكون مثل البهيمة قد عكف همه على بطنه وفرجه لا يخطر بباله حقا ولا باطلا ولا يفكر في عاقبة، وقد جعل الآخرة مبدأ عما هم ومنشأه، فلذلك عداه بمن دون عن لأن الكفر بالعاقبة والجزاء هو الذي جعلهم كالبهائم لا يتدبرون ولا يتبصرون. العامل في إذا ما دل عليه أثنا لمخرجون وهو نخرج لأن بين يدي عمل اسم الفاعل فيه عقابا وهى همزة الاستفهام وإن ولام الابتداء وواحدة منها كافية فكيف إذا اجتمعن، والمراد الإخراج من الأرض أو من حال الفناء إلى الحياة، وتكرير حرف الاستفهام بإدخاله على إذا وإن جميعا إنكار على إنكار وجحود عقيب