الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٦٥
يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم إنه كان من المفسدين.
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين.
ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون.
وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين.
____________________
وبلدة يرهب الجواب دلجتها * حتى تراه عليها يبتغى الشيعا أو يشيع بعضهم بعضا في طاعته أو أصنافا في استخدامه، يتسخر صنفا في بناء وصنفا في حرث وصنفا في حفر، ومن لم يستعمله ضرب عليه الجزية أو فرقا مختلفة، قد أغرى بينهم العداوة وهم بنو إسرائيل والقبط.
والطائفة المستضعفة بنو إسرائيل. وسبب ذبح الأبناء أن كاهنا قال له: يولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يده. وفيه دليل بين على ثخانة حمق فرعون، فإنه إن صدق الكاهن لم يدفع القتل الكائن وإن كذب فما وجه القتل، و (يستضعف) حال من الضمير في وجعل أو صفة لشيعا أو كلام مستأنف، و (يذبح) بدل من يستضعف، وقوله (إنه كان من المفسدين) بيان أن القتل ما كان إلا فعل المفسدين فحسب لأنه فعل لا طائل تحته صدق الكاهن أو كذب. فإن قلت: علام عطف قوله (ونريد أن نمن) وعطفه على نتلو ويستضعف غير سديد؟
قلت: هي جملة معطوفة على قوله - إن فرعون علا في الأرض - لأنها نظيرة تلك في وقوعها تفسيرا لنبأ موسى وفرعون واقتصاصا له ونريد حكاية حال ماضيه، ويجوز أن يكون حالا من يستضعف: أي يستضعفهم فرعون ونحن نريد أن نمن عليهم. فإن قلت: كيف يجتمع استضعافهم وإرادة الله المنة عليهم وإذا أراد الله شيئا كان ولم يتوقف إلى وقت آخر؟ قلت: لما كانت منة الله بخلاصهم من فرعون قرينة الوقوع جعلت إرادة وقوعها كأنها مقارنة لاستضعافهم (أئمة) مقدمين في الدين والدنيا يطأ الناس أعقابهم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قادة يقتدى بهم في الخير. وعن مجاهد رضي الله عنه: دعاة إلى الخير. وعن قتادة رضي الله عنه: ولاة كقوله تعالى - وجعلكم ملوكا - (الوارثين) يرثون فرعون وقومه ملكهم وكل ما كان لهم. مكن له إذا جعل له مكانا يقعد عليه أو يرقد فوطأه ومهده ونظيره أرض له، ومعنى التمكين لهم في الأرض وهى أرض مصر والشأم أن يجعلها بحيث لا تنبو بهم ولا تغث عليهم كما كانت في أيام الجبابرة وينفذ أمرهم ويطلق أيديهم ويسلطهم. وقرئ ويرى فرعون وهامان وجنودهما: أي يرون (منهم ما) حذروه من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود منهم. اليم: البحر قيل هو نيل مصر. فإن قلت: ما المراد بالخوفين حتى أوجب أحدهما ونهى عن الآخر؟ قلت: أما الأول فالخوف عليه من القتل لأنه كان إذا صاح خافت أن يسمع الجيران صوته فينموا عليه، وأما الثاني فالخوف عليه من الغرق ومن الضياع ومن الوقوع في يد بعض العيون المبئوثة من قبل فرعون في تطلب الولدان وغير ذلك من المخاوف فإن قلت: ما الفرق بين الخوف والحزن؟ قلت: الخوف غم يلحق الإنسان لمتوقع، والحزن غم يلحق لواقع وهو فراقه والإخطار به فنهيت عنهما جميعا وأومنت بالوحي ووعدت ما يسليها ويطأ من قلبها ويملؤها غبطة
(١٦٥)
مفاتيح البحث: الذبح (1)، الخوف (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»