الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٧٩
فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلى أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين.
____________________
إليه وهى ملطوخة بالدم، فقال: قد قتلت إله موسى، فعندها بعث الله جبريل عليه السلام لهدمه، والله أعلم بصحته. قصد بنفي علمه بإله غيره نفى وجوده معناه ما لكم من إله غيري كما قال الله تعالى - قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض - معناه: بما ليس فيهن وذلك لأن العلم تابع للمعلوم لا يتعلق به إلا على ما هو عليه، فإذا كان الشئ معدوما لم يتعلق به موجودا فمن ثمة كان انتفاء العلم بوجوده لانتفاء وجوده، وعبر عن انتفاء وجوده بانتفاء العلم بوجوده، ويجوز أن يكون على ظاهره وأن إلها غيره غير معلوم عنده ولكن مظنون بدليل قوله - وإني لأظنه من الكاذبين - وإذا ظن موسى عليه السلام كاذبا في إثباته إلها غيره ولم يعلمه كاذبا فقد ظن أن في الوجود إلها غيره، ولو لم يكن المخذول ظانا ظنا كاليقين بل عالما بصحة قول موسى عليه السلام لقول موسى له - لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر - لما تكلف ذلك البنيان العظيم ولما تعب في بنائه ما تعب لعله يطلع بزعمه إلى إله موسى عليه السلام وإن كان جاهلا مفرط الجهل به، وبصفاته، حيث حسب أنه في مكان كما كان هو في مكان، وأنه يطلع إليه كما كان يطلع إليه إذا قعد في عليته، وأنه ملك السماء كما أنه ملك الأرض، ولا ترى بينة أثبت شهادة على إفراط جهله وغباوته وجهل ملئه وغباوتهم من أنهم راموا نيل أسباب السماوات بصرح يبنونه، وليت شعري أكان يلبس على أهل بلاده ويضحك من عقولهم حيث صادفهم أغبى الناس وأخلاهم من الفطن وأشبههم بالبهائم بذلك، أم كان في نفسه بتلك الصفة؟ وإن صح ما حكى من رجوع النشابة إليه ملطوخة بالدم فتهكم به بالفعل كما جاء التهكم بالقول في غير موضع من كتاب الله بنظرائه من الكفرة. ويجوز أن يفسر الظن على القول الأول باليقين كقوله: * فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج * ويكون بناء الصرح مناقضة لما ادعاه من العلم واليقين وقد خفيت على قومه لغباوتهم وبلههم، أو لم تخف عليهم ولكن كلا كان يخاف على نفسه سوطه وسيفه وإنما قال (فأوقد لي يا هامان على الطين) ولم يقل اطبخ لي الآجر واتخذه لأنه أول من عمل الآجر فهو يعلمه الصنعة، ولأن
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»