الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٧١
إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشى على استحياء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين.
____________________
ومسقيهم إبل مثلا، وكذلك قولهما لا نسقى حتى يصدر الرعاء المقصود فيه السقى لا المسقى. فإن قلت: كيف طابق جوابهما سؤاله؟ قلت: سألهما عن سبب الذود فقالتا: السبب في ذلك أنا امرأتان ضعيفتان مستورتان لا نقدر على مساجلة الرجل ومزاحمتهم، فلا بد لنا من تأخير السقى إلى أن يفرغوا، وما لنا رجل يقوم بذلك وأبونا شيخ قد أضعفه الكبر فلا يصلح للقيام به، أبلتا إليه عذرهما في توليهما السقى بأنفسها. فإن قلت: كيف ساغ لنبي الله الذي هو شعيب عليه السلام أن يرضى لا بنتيه بسقى الماشية؟ قلت: الأمر في نفسه ليس بمحظور، فالدين لا يأباه، وأما المروءة فالناس مختلفون في ذلك، والعادات متباينة فيه، وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم، ومذهب أهل البدو فيه غير مذهب أهل الحضر خصوصا إذا كانت الحالة حالة ضرورة (إني) لأي شئ (أنزلت إلى) قليل أو كثير غث أو سمين ل‍ (فقير) وإنما عدى فقير باللام لأنه ضمن معنى سائل وطالب. قيل ذكر ذلك وإن خضرة البقل تترا: أي في بطنه من الهزل ما سأل الله إلا أكلة. ويحتمل أن يريد إني فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إلى من خير الدين وهو النجاة من الظالمين لأنه كان عند فرعون في ملك وثروة، قال: ذلك رضا بالبدل السنى وفرحا به وشكرا له. وكان الظل ظل سمرة (على استحياء) في موضع الحال: أي مستحيية متخفرة. وقيل استرت بكم درعها. روى أنهما لما رجعتا إلى أبيهما قبل الناس وأغنامهما حفل بطان قال لهما: ما أعجلكما؟ قالتا: وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا، فقال لإحداهما، اذهبي فادعيه لي، فتبعها موسى، فألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته، فقال لها: أمشي خلفي وانعتى لي الطريق. فلما قص عليه قصته قال له: لا تخف فلا سلطان لفرعون بأرضنا. فإن قلت: كيف ساغ لموسى أن يعمل بقول امرأة وأن يمشى معها وهى أجنبية؟ قلت: أما العمل بقول امرأة فكما يعمل بقول الواحد حرا كان أو عبدا ذكرا كان أو أنثى في الأخبار، وما كانت إلا مخبرة عن أبيها بأنه يدعوه ليجزيه، وأما مماشاته امرأة أجنبية فلا بأس بها في نظائر تلك الحال مع ذلك الاحتياط والتورع. فإن قلت:
كيف صح له أخذ الأجر على البر والمعروف؟ قلت: يجوز أن يكون قد فعل ذلك لوجه الله وعلى سبيل البر والمعروف وقبل إطعام شعيب وإحسانه، لا على سبيل أخذ الأجر ولكن على سبيل التقبل لمعروف مبتدأ، كيف وقد قص عليه قصصه وعرفه أنه من بيت النبوة من أولاد يعقوب، ومثله حقيق بأن يضيف ويكرم خصوصا في دار نبي من أنبياء الله، وليس بمنكر أن يفعل ذلك لاضطرار الفقر والفاقة طلبا للأجر. وقد روى ما يعضد كلا القولين. روى أنها لما قالت ليجزيك كره ذلك، ولما قدم إليه الطعام امتنع وقال: إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بطلاع الأرض ذهبا، ولا نأخذ على المعروف ثمنا، حتى قال شعيب: هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا. وعن عطاء بن السائب: رفع صوته بدعائه ليسمعهما فلذلك قيل له ليجزيك أجر ما سقيت: أي جزاء سقيك. والقصص مصدر كالعلل سمى به المقصوص. كبراهما كانت تسمى صفراء والصغرى صفيراء، وصفراء هي التي ذهبت به وطلبت إلى أبيها أن يستأجره وهى التي تزوجها. وعن ابن عباس أن شعيبا أحفظته الغيرة فقال: وما علمك بقوته
(١٧١)
مفاتيح البحث: الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»