الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٦٧
ولدا وهم لا يشعرون. وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين. وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون. وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون.
____________________
لبعض الملوك. فإن قلت: (وهم لا يشعرون) حال فماذو حالها؟ قلت: ذو حالها آل فرعون، وتقدير الكلام:
فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا، وقالت امرأة فرعون كذا وهم لا يشعرون أنهم على خطأ عظيم في التقاطه ورجاء النفع منه وتبنيه، وقوله - إن فرعون - الآية جملة اعتراضية واقعة بين المعطوف والمعطوف عليه مؤكدة لمعنى خطئهم، وما أحسن نظم هذا الكلام عند المرتاض بعلم محاسن النظم (فارغا) صفرا من العقل، والمعنى: أنها حين سمعت وقوعه في يد فرعون عقلها لما دهمها من فرط الجزع والدهش، ونحوه قوله تعالى - وأفئدته هواء - أي جوف لا عقول فيها، ومنه بيت حسان:
ألا بلغ أبا سفيان عنى * فأنت مجوف نخب هواء وذلك أن القلوب مراكز العقول، ألا ترى إلى قوله - فتكون لهم قلوب يعقلون بها - ويدل عليه قراءة من قرأ فرغا، وقرئ قرعا: أي خاليا من قولهم أعوذ بالله من صفر الإناء وقرع الفناء، وفرغا من قولهم دماؤهم بينهم فرغ، أي هدر، يعنى بطلل قلبها وذهب وبقيت لا قلب لها من شدة ما ورد عليها (لتبدى به) لتصحر به والضمير لموسى والمراد بأمره وقصته وأنه ولدها (لولا أن ربطنا على قلبها) بإلهام الصبر كما يربط على الشئ المنفلت ليقر ويطمئن (لتكون من المؤمنين) من المصدقين بوعد الله وهو قوله - إنا رادوه إليك - ويجوز وأصبح فؤادها فارغا من الهم حين سمعت أن فرعون عطف عليه وتبناه إن كادت لتبدى بأنه ولدها لأنها لم تملك نفسها فرحا وسرورا بما سمعت لولا أنا طمأنا قلبها وسكنا قلقه الذي حدث به من شدة الفرح والابتهاج لتكون من المؤمنين الواثقين بوعد الله لا بتبني فرعون وتعطفه. وقرئ مؤسى بالهمز جعلت الضمة في جارة الواو وهى الميم كأنها فيها فهمزت كما تهمز واو وجوه (قصيه) اتبعي أثره وتتبعي خبره. وقرئ فبصرت بالكسر، يقال بصرت به عن جنب وعن جنابة بمعنى عن بعد، وقرئ عن جانب وعن جنب، والجنب: الجانب، يقال قعد إلى جنبه وإلى جانبه: أي إليه نظرت مزورة متجانفة مخاتلة. وهم لا يحسون بأنها أخته وكان اسمها مريم. التحريم استعار للمنع لأن من حرم عليه الشئ فقد منعه، ألا ترى إلى قولهم محظور وحجر وذلك لأن الله منعه أن يرضع ثديا فكان لا يقبل ثدي مرضع قط حتى أهمهم ذلك. والمراضع جمع مرضع وهى المرأة التي ترضع أو جمع مرضع وهو موضع الرضاع يعنى الثدي أو الرضاع (من قبل) من قبل قصصها أثره، وروى أنها لما قالت (وهم له ناصحون) قال هامان: إنها لتعرفه وتعرف أهله،
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»