الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٧٢
قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين. قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج
____________________
وأمانته؟ فذكرت إقلال الحجر ونزع الدلو وأنه صوب رأسه حين بلغته رسالته وأمرها بالمشي خلفه، وقولها (إن خير من استأجرت القوى الأمين) كلام حكيم جامع لا يزاد عليه، لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان: أعني الكفاية والأمانة في القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتم مرادك، وقد استغنت بإرسال هذا الكلام الذي سياقه سياق المثل والحكمة أن تقول استأجره لقوته وأمانته. فإن قلت: كيف جعل خير من استأجرت اسما لأن والقوى الأمين خبرا؟ قلت: هو مثل قوله:
ألا إن خير الناس حيا وهالكا * أسير ثقيف عندهم في السلاسل في أن العناية هي سبب التقديم، وقد صدقت حتى جعل لها ما هو أحق بأن يكون خبرا اسما، وورود الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أنه أمر قد جرب وعرف، ومنه قولهم: أهون ما أعملت لسان ممخ. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أفرس الناس ثلاثة: بنت شعيب وصاحب يوسف في قوله - عسى أن ينفعنا - وأبو بكر في عمر.
روى أنه أنكحه صفراء، وقوله (هاتين) فيه دليل على أنه كان له غيرهما (تأجرني) من أجرته إذا كنت له أجيرا، كقولك أبوته إذا كنت له أبا، و (ثماني حجج) ظرفه أو من أجرته كذا إذا أثبته إياه ومنه تعزية رسول الله صلى الله عليه وسلم " أجركم الله ورحمكم " وثماني حجج مفعول به ومعناه رعية ثماني حجج. فإن قلت: كيف صح أن ينكحه إحدى ابنتيه من غير تمييز؟ قلت: لم يكن ذلك عقدا للنكاح ولكن مواعدة ومواصفة أمر قد عزم عليه، ولو كان عقد لقال قد أنكحتك ولم يقل إني أريد أن أنكحك. فإن قلت: فكيف صح أن يمهرها إجارة نفسه في رعية
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»