الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٣٢
على العزيز الرحيم. الذي يراك حين تقوم. وتقلبك في الساجدين. إنه هو السميع العليم. هل أنبئكم على من تنزل الشياطين. تنزل على كل أفاك أثيم. يلقون السمع وأكثرهم كاذبون.
____________________
والتوكل: تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه وضره، وقالوا: المتوكل من إن دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية لله، فعلى هذا إذا وقع الإنسان في محنة ثم سأل غيره خلاصه لم يخرج من حد التوكل لأنه لم يحاول دفع ما نزل به عن نفسه بمعصية الله. وفى مصاحف أهل المدينة والشأم فتوكل، وبه قرأ نافع وابن عامر وله محملان في العطف أن يعطف على فقل أو فلا تدع (على العزيز الرحيم) على الذي يقهر أعداءك بعزته وينصرك عليهم برحمته. ثم أتبع كونه رحيما على رسوله ما هو من أسباب الرحمة وهو ذكر ما كان يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد وتقبله في تصفح أحوال المتهجدين من أصحابه ليطلع عليهم من حيث لا يشعرون ويستبطن سر أمرهم وكيف يعبدون الله وكيف يعملون لآخرتهم، كما يحكى أنه حين نسخ فرض قيام الليل طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون لحرصه عليهم وعلى ما يوجد منهم من فعل الطاعات وتكثير الحسنات فوجدها كبيوت الزنابير لما سمع منها من دندنتهم بذكر الله والتلاوة. والمراد بالساجدين المصلون. وقيل معناه: يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة وتقلبه في الساجدين تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذا أمهم. وعن مقاتل أنه سأل أبا حنيفة رحمه الله هل تجد الصلاة في الجماعة في القرآن؟ فقال: لا يحضرني، قتلا له هذه الآية.
ويحتمل أنه لا يخفى عليه حالك كلما قمت وتقلبت مع الساجدين في كفاية أمور الدين (إنه هو السميع) لما تقوله (العليم) بما تنويه وتعمله، وقيل هو تقلب بصره فيمن يصلى خلفه من قوله صلى الله عليه وسلم " أتموا الركوع والسجود فوالله إني لأراكم من خلف ظهري إذا ركعتم وسجدتم ". وقرئ ويقلبك (كل أفاك أثيم) هم الكهنة والمتنبئة كشق وسطيح ومسيلمة وطليحة (يلقون السمع) هم الشياطين كانوا قبل أن يحجبوا بالرجم يسمعون إلى الملأ الأعلى فيختطفون بعض ما يتكلمون به مما اطلعوا عليه من الغيوب ثم يوحون به إلى أوليائهم السمع: أي المسموع من الملائكة. وقيل الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون وحيهم إليهم أو يلقون المسموع من الشياطين إلى الناس، وأكثر الأفاكين كاذبون يفترون على الشياطين ما لم يوحوا إليهم وترى أكثر ما يحكمون به باطلا وزورا، وفى الحديث " الكلمة يتخطفها الجنى فيقرها في أذن وليه فيزيد فيها أكثر من مائة كذبة " والقر:
الصب. فإن قلت: كيف دخل حرف الجر على من المتضمنة لمعنى الاستفهام والاستفهام له صدر الكلام، ألا ترى إلى قولك أعلى زيد مررت ولا تقول على أزيد مررت؟ قلت: ليس معنى التضمن أن الاسم دل على معنيين معا، معنى الاسم ومعنى الحرف، وإنما معناه أن الأصل أمن فحذف حرف الاستفهام واستمر الاستعمال على حذفه كما حذف من هل والأصل أهل، قال * أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم * فإذا أدخلت حرف الجر على من فقدر الهمزة قبل حرف الجر في ضميرك كأنك تقول أعلى من تنزل الشياطين كقولك أعلى زيد مررت.
فإن قلت: يلقون ما محله؟ قلت: يجوز أن يكون في محل النصب على الحال: أن تنزل ملقين السمع، وفى محل
(١٣٢)
مفاتيح البحث: العزّة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»